التي هي من صنع السحرة.
ومن المعروف أن الطغاة والجبابرة لا يفهمون لغة المنطق والدليل، ولهذا لم تؤثر عليهم الأدلة والبراهين الظاهرية والقوية التي بينها إبراهيم (عليه السلام) على قلوب الجبابرة الحاكمين في بابل حينذاك، رغم أن مجموعات من أبناء الشعب المستضعف هناك استيقظت من غفلتها وآمنت بدعوة إبراهيم (عليه السلام).
ولإيقاف انتشار منطق التوحيد بين أبناء مدينة بابل، عمد الطغاة الذين أحسوا بخطر انتشاره على مصالحهم الخاصة إلى استخدام منطق القوة والنار ضد إبراهيم (عليه السلام)، المنطق الذي لا يفهمون سواه. حيث هتفوا بالاعتماد على قدراتهم الدنيوية: أن ابنوا له بنيانا عاليا، واشعلوا في وسطه النيران ثم ارموه فيه قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم.
ومن هذه العبارة يستفاد أن الأوامر كانت قد صدرت ببناء أربعة جدران كبيرة، ومن ثم إشعال النيران في داخلها، وبناء الجدران الأربعة الكبيرة، إنما تم - كما يحتمل - للحؤول دون امتداد النيران إلى خارجها، ومنع وقوع أخطار محتملة قد تنجم عنها، ولإيجاد جهنم واقعية كتلك التي كان إبراهيم يتهدد ويتوعد عبدة الأوثان بها.
صحيح أن كمية قليلة من الحطب كانت تكفي لحرق إنسان كإبراهيم، لكنهم فعلوا ذلك ليطفؤا غيظ قلوبهم من جراء تحطيم أصنامهم، وبمعنى آخر الانتقام من إبراهيم بأشد ما يمكن، لعلهم بذلك يعيدون العظمة والأبهة لأصنامهم إضافة إلى أن عملهم هذا كان تخويفا وتحذيرا لمعارضيهم، كي لا تتكرر مثل هذه الحادثة مرة أخرى في تأريخ بابل، لذلك فقد أوقدوا نارا عظيمة.
" الجحيم " في اللغة هي النار التي تجتمع بعضها على بعض.
هذا، وقد فسر البعض " البنيان " بأنه المنجنيق، والمنجنيق - كما هو معروف - أداة لقذف الأشياء الثقيلة إلى مكان بعيد، لكن أكثر المفسرين انتخبوا التفسير