بلوغ تلك المرتبة يهجم الموت وينتهي العمر.. نسعى مدة لتحصيل العلم والمعرفة، وحينما نبلغ درجة منه بعد اشتعال الرأس شيبا يستقبلنا الموت.
ثم لأجل ماذا نعيش؟ الأكل واللبس والنوم والاستيقاظ المتكرر يوميا، واستمرار هذا البرنامج المتعب لعشرات السنين، لماذا؟
فهل حقا إن هذه السماء المترامية الأطراف وهذه الأرض الواسعة، وكل هذه المقدمات والمؤخرات وكل هؤلاء الأساتذة والمعلمين والمربين وكل هذه المكتبات الضخمة وكل هذه الأمور الدقيقة والأعمال التي تداخلت في خلقنا وخلق باقي الموجودات، كل ذلك لمجرد الأكل والشرب واللبس والحياة المادية هذه؟
هنا يعترف الذين لا يعتقدون بالمعاد بتفاهة هذه الحياة، ويقدم بعضهم على الانتحار للتخلص من هذه الحياة الخاوية، بل قد يفتخر به.
وكيف يمكن لمن يؤمن بالله وبحكمته المتعالية أن يعتبر هذه الحياة الدنيا وحدها بدون ارتباطها بحياة أخرى ذات قيمة وذات شأن؟
يقول تعالى: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون. (1) أي أنه لو لم يكن رجوع بعد هذه الدنيا إلى الله، فإن الحياة في هذه الدنيا ليست سوى عبث في عبث.
نعم فإن الحياة في هذه الدنيا تجد معناها ويكون لها مفهوما ينسجم مع حكمة الله سبحانه وتعالى عندما تعتبر هذه: " الدنيا مزرعة للآخرة " و " الدنيا قنطرة " ومكان تعلم، وجامعة للاستعداد للعالم الآخر ومتجر لذلك العالم، تماما كما يقول أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) في كلماته العميقة المعنى " إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عاقبة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها، مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكة الله، ومهبط وحي الله،