لذا فإن الآيات الكريمة تقول أولا: وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون.
الضمير " لهم " لا يعود فقط على مشركي مكة، بل على جميع العباد الذين أشارت لهم الآيات السابقة.
" ذرية ": كما يقول الراغب في مفرداته، أصلها الصغار من الأولاد، وإن كان يقع على الصغار والكبار معا عرفا، ويستعمل للواحد والجمع.
وما تذكره الآية من حمل ذرياتهم وليس هم ربما لأن الأولاد هم أكثر حاجة لركوب مثل ذلك المركب السريع، بلحاظ أن الكبار أكثر استعدادا للسير على سواحل البحار وطي الطريق من هناك!!
فضلا عن أن هذا التعبير أنسب لتحريك عواطفهم.
" مشحون " أي مملوء، إشارة إلى أن السفن لا تحملهم هم فقط، بل أموالهم وتجارتهم وأمتعتهم وما أهمهم أيضا.
وما قاله البعض من أن " الفلك " إشارة إلى سفينة نوح، و " ذرية " بمعنى الآباء من مادة " ذرأ " بمعنى خلق، فيبدو بعيدا، إلا إذا كان من قبيل ذكر المصداق البارز.
على كل حال فإن حركة السفن والبواخر التي هي من أهم وأضخم وسائل الحمل والنقل البشري، وما يمكنها إنجازه يعادل آلاف الأضعاف لما تستطيعه المركبات الأخرى، كل ذلك ناجم عن خصائص الماء ووزن الأجسام التي تصنع منها السفن، والطاقة التي تحركها، سواء كانت الريح أو البخار أو الطاقة النووية.
وكل هذه القوى والطاقات التي سخرها الله للإنسان، كل واحدة منها وكلها معا آية من آيات الله سبحانه وتعالى.
ولكي لا يتوهم أن المركب الذي أعطاه الله للإنسان هو السفينة فقط، تضيف الآية التالية قائلة: وخلقنا لهم من مثله ما يركبون.
المراكب التي تسير على الأرض، أو في الهواء وتحمل البشر وأثقالهم.