ومن دون أي شك فإنه لا أحد يستطيع أن يدعي أن قدرته ومنزلته أكبر من أن يسجد لله (أو لآدم بأمر من الله) وبهذا فإن الاحتمال الوحيد المتبقي هو الثاني، أي التكبر.
وقال بعض المفسرين: إن كلمة (عالين) تعني - هنا - الأشخاص الذين يسيرون دوما في طريق الغرور والتكبر، وطبقا لهذا فإن معنى الآية يكون: هل أنك استكبرت الآن، أم كنت دائما هكذا؟!
ولكن المعنى الأول أنسب.
إلا أن إبليس اختار - بكل تعجب - الشق الثاني، وكان يعتقد بأنه أعلى من أن يؤمر بذلك، لذلك قال - بكل وقاحة - أثناء تبيانه أسباب معارضته لأوامر البارئ عز وجل: قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.
وعلل إبليس عدم سجوده لآدم وعصيانه أمر الله بالمقدمات التالية:
أولا: إنني خلقت من نار، أما هو فقد خلق من طين، وهذه حقيقة صرح بها القرآن المجيد في الآيتين 14 و 15 من سورة الرحمن: خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار.
ثانيا: إن الشئ المخلوق من النار أفضل من الشئ المخلوق من التراب، لأن النار أشرف من التراب.
ثالثا: لا يحق لأحد أن يأمر مخلوقا بالسجود لمخلوق آخر دنى منه.
وخطأ إبليس يكمن في المقدمتين الأخيرتين، وذلك من عدة وجوه:
أولا: لأن آدم لم يكن ترابا فقط، وإنما نفخت فيه الروح الإلهية، وهذا هو سبب عظمته، وإلا فأين التراب من كل هذا الفخر والاستعداد والتكامل؟
ثانيا: التراب ليس بأدنى من النار، وإنما هو أفضل منها بكثير، لأن كل الحياة أصلها من التراب، فالنباتات وكل الموجودات الحية بأجمعها تستمد غذاءها ومصدر حياتها من التراب، وكل المعادن الثمينة مخفية في وسط التراب، خلاصة