وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة (1).
كل هذه الآيات تقرر أن السبب في سلب قدرة التشخيص، وتوقف أجهزة الإدراك عن العمل يعود إلى الكفر والتكبر والتجبر واتباع الهوى واللجاج والعناد أمام الحق، هذه الحالة التي تصيب الإنسان، هي في الحقيقة رد فعل لأعمال الإنسان نفسه.
من المظاهر الطبيعية في الموجود البشري، أن الإنسان لو تعود على انحراف واستأنس به، يتخذ في المرحلة الأولى ماهية ال " حالة " ثم يتحول إلى " عادة " وبعدها يصبح " ملكة " وجزء من تكوين الإنسان حتى يبلغ أحيانا درجة لا يستطيع الإنسان أن يتخلى عنها أبدا. لكن الإنسان اختار طريق الانحراف هذا عن علم ووعي، ومن هنا كان هو المسؤول عن عواقب أعماله، دون أن يكون في المسألة جبر. تماما مثل شخص فقأ عينيه وسد أذنيه عمدا، كي لا يسمع ولا يرى.
ولو رأينا أن الآيات تنسب الختم وإسدال الغشاوة إلى الله، فذلك لأن الله هو الذي منح الانحراف مثل هذه الخاصية. (تأمل بدقة).
عكس هذه الظاهرة مشهود أيضا في قوانين الطبيعة، أي إن الفرد السائر على طريق الطهر والتقوى والاستقامة تمتد يد الله عز وجل إليه لتقوي حاسة تشخيصه وإدراكه ورؤيته، هذه الحقيقة توضحها الآية الكريمة. يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا (2).
في حياتنا اليومية صور عديدة لأفراد ارتكبوا عملا محرما، فتألموا في البداية لما فعلوه واعترفوا بذنبهم، لكنهم استأنسوا تدريجيا بفعلهم، وزالت من نفوسهم حساسيتهم السابقة تجاه الذنب، ووصل أمرهم إلى حد يجدون اللذة