الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١ - الصفحة ٥١٩
يطيقونه فدية طعام مسكين. (1) ثم يقول الآية فمن تطوع خيرا فهو خير له (2) أي من تطوع للإطعام أكثر من ذلك فهو خير له.
وأخيرا تبين الآية حقيقة هي: وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون.
استدل بعض بهذه الآية على أن الصوم كان في بداية التشريع واجبا تخييريا، وكان المسلمون مخيرين بين الصوم والفدية، ثم نسخ هذا الحكم بعد أن تعود المسلمون على الصوم وأصبح واجبا عينيا، ولكن ظاهر الآية يدل على تأكيد آخر على فلسفة الصوم، وعلى أن هذه العبادة - كسائر العبادات - لا تزيد الله عظمة أو جلالا، بل تعود كل فوائدها على الناس.
الشاهد على ذلك ما جاء في القرآن من تعبير مشابه لذلك، كقوله سبحانه بعد ذكر وجوب صلاة الجمعة: ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (3).
وقوله تعالى: وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (4).
بهذا تبين أن عبارة وأن تصوموا خير لكم موجهة إلى كل الصائمين لا إلى

1 - " يطيقونه " من " الطوق " وهو الحلقة التي تلقى على العنق، أو توجد عليه بشكل طبيعي (كطوق الحمام) ثم أطلقت الكلمة على نهاية الجهد والطاقة، والضمير في " يطيقونه " يعود على الصوم، أي الذين يبذلون غاية طاقتهم لدى الصوم، أو بعبارة أخرى: الذين يجهدهم الصوم ويثقل عليهم، وهم الطاعنون في السن والمرضى الذين لا يرجى علاجهم، فهؤلاء معفوون من الصوم وعليهم أن يدفعوا الفدية بدل ذلك (وعلى المرضى الذين يشفون أن يقضوا صومهم).
وقيل " الذين يطيقونه " يعني الذين كانوا يطيقونه، ولم يعودوا اليوم قادرين على الصوم (وهذا المعنى جاء في بعض الروايات).
2 - قيل في عبارة " تطوع خيرا " إنها إشارة إلى الصوم المستحب، وقيل أيضا: إنها تأكيد على أن الصوم ينبغي أن يكون عن رغبة وطواعية، لا عن إجبار وإكراه.
3 - الجمعة، 9.
4 - العنكبوت، 16.
(٥١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 ... » »»
الفهرست