لو أن هؤلاء يستهدفون حقا إدراك الحقيقة، ففي هذه الآيات النازلة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دلالة واضحة بينة على صدق أقواله، فما الداعي إلى نزول آية مستقلة على كل واحد من الأفراد؟! وما معنى الإصرار على أن يكلمهم الله مباشرة؟!
مثل هذا الطلب تذكره الآية 52 من سورة المدثر: بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة.
مثل هذا الطلب لا يمكن أن يتحقق، لأن تحققه - إضافة إلى عدم ضرورته - مخالف لحكمة الباري سبحانه، لما يلي:
أولا: إثبات صدق الأنبياء للناس كافة أمر ممكن عن طريق الآيات التي تنزل عليهم.
ثانيا: لا يمكن للآيات والمعاجز أن تنزل على أي فرد من الأفراد، فذلك يتطلب نوعا من اللياقة والاستعداد والطهارة الروحية. فالأسلاك الكهربائية تتحمل من التيار ما يتناسب مع ضخامتها. الأسلاك الرقيقة لا تتحمل التيار العالي، ولا يمكن أن تتساوى بالأسلاك الضخمة القادرة على توصيل التيارات العالية. والمهندس يفرق بين الأسلاك التي تستقبل التيارات العالية من المولدات مباشرة، والأسلاك التي تنقل التيار الواطئ داخل البيوت.
الآية التالية تخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتبين موقفه من الطلبات المذكورة وتقول:
إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا.
فمسؤولية الرسول بيان الأحكام الإلهية، وتقديم المعاجز، وتوضيح الحقائق، وهذه الدعوة ينبغي أن تقترن بتبشير المهتدين وإنذار العاصين وهذه مسؤوليتك أيها الرسول، وأما الفئة التي لا تذعن للحق بعد كل هذه الآيات فأنت غير مسؤول عنها: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم.
* * *