ويكشف القرآن زيف ادعائهم مرة أخرى حين يقول لهم: قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين هؤلاء يدعون أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم، فهل التوراة تبيح لهم قتل الأنبياء؟!
وهذا الذي يقوله بنو إسرائيل: نؤمن بما أنزل علينا ينطلق من روح ذاتية فردية أو فئوية، وهي تخالف روح التوحيد. فالتوحيد يستهدف القضاء على كل المحاور الذاتية في حركة الإنسان ومواقفه، وتكريس نشاطات الفرد حول محور العبودية لله لا غير.
بعبارة أخرى، لو كان الانصياع للأوامر الإلهية متوقفا على نزولها عليهم، فهو الشرك لا الإيمان، وهو الكفر لا الإسلام، ومثل هذا الانصياع ليس بدليل على الإيمان قط.
وعبارة ما أنزل الله تحمل مفهوم نفي كل ذاتية بشرية في الرسالة، بما في ذلك ذات النبي المرسل، فلم تتضمن العبارة اسم محمد وعيسى وموسى عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل التأكيد على الإيمان بما أنزل الله تعالى.
ويعرض القرآن وثيقة أخرى لإدانة اليهود ولكشف زيف ادعائهم فيقول:
ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون.
ما هذا الانحراف نحو عبادة العجل بعد أن جاءتكم البينات إن كنتم في إيمانكم صادقين؟! لو كنتم آمنتم به حقا، فلم تبدل إيمانكم إلى كفر عند غياب موسى وذهابه إلى جبل الطور، وبذلك ظلمتم أنفسكم ومجتمعكم والأجيال المتعاقبة بعدكم؟!
في الآية الثالثة يطرح القرآن وثيقة إدانة أخرى، فيشير إلى مسألة ميثاق جبل الطور ويقول: وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا، قالوا: سمعنا وعصينا.