من جهة أخرى، لا يجوز غلق باب العودة والإصلاح بشكل كامل في وجه المذنبين، بل يجب فسح المجال لإصلاح أنفسهم وللعودة إلى الله وإلى الطهر والتقوى.
" الشفاعة " بمعناها الصحيح تستهدف حفظ هذا التعادل. إنها وسيلة لعودة المذنبين والملوثين بالخطايا، وبمعناها الخاطئ تشجع على ارتكاب الذنوب.
أولئك الذين لم يفرقوا بين المعنى الصحيح والخاطئ لمسألة الشفاعة، أنكروا هذه المسألة بشكل كامل، واعتبروها شبيهة بالوساطات التي تقدم إلى السلاطين والحكام الظالمين.
وثمة مجموعة كالوهابيين استندوا إلى الآية الكريمة: لا يقبل منها شفاعة فأنكروا الشفاعة تماما، دون الالتفات إلى سائر الآيات في هذا المجال.
اعتراضات المنكرين لمسألة الشفاعة يمكن تلخيصها بما يلي:
1 - الاعتقاد بالشفاعة، يضعف روح السعي والمثابرة في نفس الإنسان.
2 - الاعتقاد بالشفاعة، انعكاس عن ظروف المجتمعات المتأخرة والإقطاعية.
3 - الاعتقاد بالشفاعة، يؤدي إلى التشجيع على ارتكاب الذنوب وترك المسؤوليات.
4 - الاعتقاد بالشفاعة، نوع من الشرك بالله، وهو معارض للقرآن!
5 - الاعتقاد بالشفاعة، يعني تغيير أحكام الله وتغيير إرادته وأوامره!
ولكن كل هذه الاعتراضات ناتجة - كما سنرى - عن الخلط بين الشفاعة بمفهومها القرآني، والشفاعة بمعناها المنحرف الرائج بين الجهلة من الناس.
ولما كانت هذه المسألة في جانبها الإيجابي والسلبي ذات أهمية بالغة، فعلينا أن ندرسها بالتفصيل من حيث مفهومها وفلسفتها، وارتباطها بعالم التكوين، وموقعها في القرآن والحديث، وصلته بالتوحيد والشرك، كي يزول كل إبهام