للتنافس والنزاع. وهذا العالم المحدود المادي لا يستطيع أن يشبع طبيعة الحرص في الإنسان. وهذه الدنيا لو وضعت بأجمعها في فم الإنسان فقد لا تشبعه. وهذا الوضع - إن لم يقترن بالالتزام والشعور بالمسؤولية - يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء.
بعض المفسرين ذهب إلى أن تنبؤ الملائكة يعود إلى تجربتهم السابقة مع مخلوقات سبقت آدم، وهذه المخلوقات تنازعت وسفكت الدماء وخلفت في الملائكة انطباعا مرا عن موجودات الأرض.
هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها. وقد يكون موقف الملائكة من استخلاف آدم ناشئا عن هذه الأسباب الثلاثة معا.
الملائكة بينوا حقيقة من الحقائق. ولذلك لم ينكر الله عليهم قولهم، بل أشار إلى أن ثمة حقائق أخرى إلى جانب هذه الحقيقة، حقائق ترتبط بمكانة الإنسان في الوجود، وهذا ما لم تعرفه الملائكة.
الملائكة يعلمون أن الهدف من الخلقة هو العبودية والطاعة، وكانوا يرون في أنفسهم مصداقا كاملا لذلك، فهم في العبادة غارقون. ولذلك فهم - أكثر من غيرهم - للخلافة لائقون، غير عالمين أن بين عبادة الإنسان الملئ بألوان الشهوات، والمحاط بأشكال الوساوس الشيطانية والمغريات الدنيوية وبين عبادتهم، - وهم خالون من كل هذه المؤثرات - بون شاسع. فأين عبادة هذا الموجود الغارق وسط الأمواج العاتية، من عبادة تلك الموجودات التي تعيش على ساحل آمن؟!
ماذا تعرف الملائكة من أبناء آدم أمثال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإبراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحون من الرجال والنساء الذين قدموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي، والذين تساوي ساعة من تفكرهم سنوات متمادية من عبادة الملائكة.