كثيف أو لطيف.
(ولم يولد) أي ولم يتولد من شئ، ولم يخرج من شئ، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشئ من الشئ، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، والماء من الينابيع، والثمار من الأشجار. ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين، والسمع من الأذن، والشم من الأنف، والذوق من الفم، والكلام من اللسان، والمعرفة والتمييز من القلب، والنار من الحجر. لا بل هو الله الصمد الذي لا من شئ، ولا في شئ، ولا على شئ، مبدع الأشياء وخالقها، ومنشئ الأشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد، ولم يولد، عالم الغيب والشهادة، الكبير المتعال.
(ولم يكن له كفوا أحد) قال وهب بن وهب: سمعت الصادق (ع) يقول:
قدم وفد من فلسطين على الباقر (ع) فسألوه عن مسائل، فأجابهم عنها، ثم سألوه عن الصمد فقال: تفسيره فيه الصمد خمسة أحرف (فالألف): دليل على أنيته، وهو قوله عز وجل (شهد الله أنه لا إله إلا هو) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس (واللام): دليل على إلهيته، بأنه هو الله. والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان، ولا يقعان في السمع، ويظهران في الكتابة، دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية، لا يدرك بالحواس، ولا يقع في لسان واصف، ولا أذن سامع، لأن تفسير الإله هو الله الذي أله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته، بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع الأوهام، وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة، فهو دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق، وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة. وإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه، كما أن لام الصمد لا يتبين، ولا يدخل في حاسة من حواسه الخمس. فلما نظر إلى الكتابة، ظهر له ما خفي ولطف. فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته، أله وتحير، ولم تحط فكرته بشئ يتصور له، لأنه تعالى خالق الصور. وإذا نظر إلى خلقه، ثبت له أنه، عز وجل، خالقهم، ومركب أرواحهم في أجسادهم.
وأما (الصاد) فدليل على أنه سبحانه صادق وقوله صدق، وكلامه صدق، ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق، ووعدنا بالصدق، وأراد الصدق. وأما (الميم)