(فارجع البصر) أي فرد البصر، وأدره في خلق الله، واستقص في النظر مرة بعد أخرى والتقدير: أنظر ثم ارجع النظر في السماء (هل ترى من فطور) أي شقوق وفتوق، عن سفيان. وقيل. من وهن وخلل، عن ابن عباس وقتادة. (ثم ارجع البصر كرتين) أي ثم كرر النظر مرتين، لأن من نظر في الشئ كرة بعد أخرى، بان له ما لم يكن بائنا. وقيل. معناه أدم النظر، والتقدير: أرجع البصر مرة بعد أخرى، ولا يريد حقيقة التثنية لقوله. (وهو حسير)، ولا يصير حسيرا بمرتين، ونظيره قولهم لبيك وسعديك أي: إلبابا بعد إلباب، وإسعادا بعد إسعاد، يعني كلما دعوتني فأنا ذو إجابة بعد إجابة، وذو ثبات بمكاني بعد ثبات، من قولهم لب بالمكان وألب إذا ثبت وأقام وهو نصب على المصدر أي: أجيبك إجابة بعد إجابة.
(ينقلب إليك البصر خاسئا) أي يرجع إليك بصرك بعيدا عن نيل المراد، ذليلا صاغرا، عن ابن عباس، كأنه ذل كذلة من طلب شيئا فلم يجده، وأبعد عنه (وهو حسير) أي كال معي، عن قتادة. والتحقيق أن بصر هذا الناظر بعد الإعياء يرجع إليه بعيدا عن طلبته، خائبا في بغيته. ثم أقسم سبحانه فقال: (ولقد زينا السماء الدنيا) لأن هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم أي: حسنا السماء الدنيا يعني التي هي أدنى إلى الأرض، وهي التي يراها الناس (بمصابيح) واحدها مصباح يعني الكواكب، سماها المصابيح لإضاءتها، وهي السرج (وجعلناها رجوما للشياطين) الذين يسترقون السمع. وقيل. ينفصل من الكواكب شهب تكون رجوما للشياطين، فأما الكواكب أنفسها فليست تزول إلى أن يريد الله تعالى إفناءها، عن الجبائي.
(وأعتدنا لهم عذاب السعير) يعني إنا جعلنا مع الكواكب رجوما للشياطين، هيأنا لهم، وادخرنا لأجلهم عذاب النار المسعرة المشعلة. وفي هذا دلالة على أن الشياطين مكلفة.
(وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير (6) إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور (7) تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم نذير (8) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلل كبير (9) وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (10) فاعترفوا بذنبهم