ثم قال سبحانه: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) هذا تهديد معناه:
فذرني والمكذبين أي: كل أمرهم إلي، كما يقول القائل. دعني وإياه، يقول. خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن، ولا تشغل قلبك به، فإني أكفيك أمره (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) أي سنأخذهم إلى العقاب حالا بعد حال. وقد مر تفسيره في سورة الأعراف. وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا أحدث العبد ذنبا، جدد له نعمة، فيدع الاستغفار فهو الاستدراج. (وأملي لهم إن كيدي متين) أي وأطيل آجالهم، ولا أبادر إلى عذابهم مبادرة من يخشى الفوت، فإنما يعجل من يخاف الفوت. إن عذابي لشديد:
(أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (47) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم (48) لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم (49) فاجتباه ربه فجعله من الصالحين (50) وأن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون (51) وما هو إلا ذكر للعالمين (52).
القراءة: قرأ أهل المدينة: (ليزلقونك) بفتح الياء. والباقون: (ليزلقونك) بضم الياء.
الحجة: من قرأ بفتح الياء جعله من زلقه وزلقته أنا مثل: حزن وحزنته، وشترت عينه وشترتها (1). قال أبو علي: والخليل يذهب في ذلك إلى أن المعنى جعلت فيه شترا، وجعلت فيه حزنا، كما أنك إذا قلت: كحلته ودهنته أردت جعلت ذلك فيه. ومن قرأ أزلقه نقل الفعل بالهمزة ومعنى (يزلقونك بأبصارهم). ينظرون إليك نظر البغضاء، كما ينظر الأعداء، ومثله قول الشاعر:
يتقارضون إذا التقوا في مجلس * نظرا يزيل مواقع الأقدام اللغة: المغرم: ما يلزم من الدين الذي يلح في اقتضائه، وأصله من اللزوم بالإلحاح. ومنه قوله. (إن عذابها كان غراما) أي: لازما ملحا. قال الشاعر: