النزول: قيل: إن المشركين قالوا لرسول الله (ص): أنسب لنا ربك. فنزلت السورة، عن أبي بن كعب وجابر. وقيل: أتى عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة أخو لبيد، النبي (ص)، وقال عامر: إلى ما تدعونا يا محمد؟ فقال: إلى الله. فقال:
صفه لنا أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب؟ فنزلت السورة.
وأرسل الله الصاعقة على أربد فأحرقته، وطعن عامر في خنصره فمات، عن ابن عباس. وقيل: جاء أناس من أحبار اليهود إلى النبي (ص) فقالوا: يا محمد! صف لنا ربك، لعلنا نؤمن بك، فإن الله أنزل نعته في التوراة. فنزلت السورة، وهي نسبة الله خاصة، عن الضحاك وقتادة ومقاتل. وروى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (ع) قال: إن اليهود سألوا النبي (ص) فقالوا: أنسب لنا ربك. فمكث ثلاثا لا يجيبهم، ثم نزلت السورة. وقريب منه ما ذكره القاضي في تفسيره أن عبد الله بن سلام انطلق إلى رسول الله (ص) وهو بمكة، فقال له رسول الله (ص):
أنشدك بالله هل تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال: إنعت لنا ربك. فنزلت هذه السورة فقرأها النبي (ص)، فكانت سبب إسلامه، إلا أنه كان يكتم ذلك إلى أن هاجر النبي (ص) إلى المدينة، ثم أظهر الاسلام.
المعنى: (قل هو الله أحد) هذا أمر من الله، عز اسمه، لنبيه (ص) أن يقول لجميع المكلفين: هو الله الذي تحق له العبادة. قال الزجاج: هو كناية عن ذكر الله، عز وجل، ومعناه الذي سألتم تبيين نسبته هو الله أحد أي: واحد. ويجوز أن يكون المعنى الأمر الله أحد، لا شريك له، ولا نظير. وقيل: معناه واحد ليس كمثله شئ، عن ابن عباس. وقيل: واحد في الإلهية والقدم. وقيل: واحد في صفة ذاته، لا يشركه في وجوب صفاته أحد، فإنه يجب أن يكون موجودا عالما قادرا حيا، ولا يكون ذلك واجبا لغيره. وقيل: واحد في أفعاله، لأن أفعاله كلها إحسان، لم يفعلها لجر نفع، ولا لدفع ضرر، فاختص بالوحدة من هذا الوجه، إذ لا يشركه فيه سواه، واحد في أنه لا يستحق العبادة سواه، لأنه القادر على أصول النعم من الحياة والقدرة والشهوة، وغير ذلك مما لا تكون النعمة نعمة إلا به، ولا يقدر على شئ من ذلك غيره، فهو أحد من هذه الوجوه الثلاثة، وقيل: إنما قال أحد، ولم يقل واحد، لأن الواحد يدخل في الحساب، ويضم إليه آخر. وأما الأحد فهو الذي لا يتجزأ، ولا ينقسم في ذاته، ولا في معنى