قال: " ولم يمش بين الحي بالحطب الرطب " أي لم يمش بالنميمة. وقيل: حمالة الحطب معناه. حمالة الخطايا، عن سعيد بن جبير وأبي مسلم. ونظيره قوله:
(وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم).
(في جيدها حبل من مسد) أي في عنقها حبل من ليف، وإنما وصفها بهذه الصفة تخسيسا لها وتحقيرا. وقيل: حبل يكون له خشونة الليف، وحرارة النار، وثقل الحديد، يجعل في عنقها زيادة في عذابها. وقيل: في عنقها سلسلة من حديد، طولها سبعون ذراعا، تدخل من فيها، وتخرج من دبرها، وتدار على عنقها في النار، عن ابن عباس، وعروة بن الزبير. وسميت السلسلة مسدا بمعنى أنها ممسودة أي مفتولة. وقيل: إنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت:. لأنفقنها في عداوة محمد! فيكون عذابا يوم القيامة في عنقها، عن سعيد بن المسيب.
ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت هذه السورة، أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة وفي يدها فهر (1)، وهي تقول: " مذمما أبينا، ودينه قلينا (2)، وأمره عصينا " والنبي (ص) جالس في المسجد، ومعه أبو بكر. فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، قال رسول الله (ص):
إنها لن تراني. وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا) فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله (ص) فقالت: يا أبا بكر! أخبرت أن صاحبك هجاني. فقال: لا ورب البيت ما هجاك. فولت وهي تقول " قريش تعلم أني بنت سيدها ".
وروي أن النبي (ص) قال: صرف الله سبحانه عني أنهم يذمون مذمما وأنا محمد. ومتى قيل: كيف يجوز أن لا ترى النبي (ص) وقد رأت غيره؟ فالجواب:
يجوز أن يكون الله قد عكس شعاع عينيها، أو صلب الهواء، فلم ينفذ فيه الشعاع، أو فرق الشعاع فلم يتصل بالنبي (ص). وروي أن النبي (ص) قال: " ما زال ملك يسترني عنها ". وإذا قيل: هل كان يلزم أبا لهب الإيمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الإيمان، ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه، بأنه سيصلى نارا ذات