الجن مع تمردهم وعتوهم لما سمعوا القرآن، آمنوا واهتدوا به، فأنتم معاشر العرب أولى بالتفكر والتدبر لتؤمنوا وتهتدوا مع أن الرسول من جنسكم، ولسانه لسانكم.
وقيل: إن هذه الآية مع ما قبلها اعتراض من أخبار الله تعالى. يقول: إن الجن ظنوا كما ظننتم معاشر الإنس أن الله لا يحشر أحدا يوم القيامة، ولا يحاسبه، عن الحسن. وقيل: يعني لن يبعث الله أحدا رسولا، عن قتادة.
ثم حكى عن الجن قولهم (وأنا لمسنا السماء) أي مسسناها. وقيل: معناه طلبنا الصعود إلى السماء، فعبر عن ذلك باللمس مجازا، عن الجبائي. وقيل التمسنا قرب السماء لاستراق السمع، عن أبي مسلم. (فوجدناها ملئت حرسا شديدا) أي حفظة من الملائكة شدادا (وشهبا) والتقدير ملئت السماء من الحرس والشهب، وهو جمع شهاب، وهو نور يمتد من السماء كالنار (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع) أي لاستراق السمع أي: كان يتهيأ لنا فيما قبل القعود في مواضع الاستماع، فنسمع منها صوت الملائكة وكلامهم (فمن يستمع) منا (الآن) ذلك (يجد له شهابا رصدا) يرمى به، ويرصد له. وشهابا مفعول به و (رصدا). صفته. قال معمر: قلت للزهري أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال: نعم. قلت أفرأيت قوله. (إنا كنا نقعد منها) الآية قال: غلظ وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال البلخي:
الشهب كانت لا محالة فيما مضى من الزمان، غير أنه لم يكن يمنع بها الجن عن صعود السماء، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم منع بها الجن من الصعود.
(وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض) أي بحدوث الرجم بالشهب وحراسة السماء، جوزوا هجوم انقطاع التكليف، أو تغيير الأمر بتصديق نبي من الأنبياء، وذلك قوله (أم أراد بهم ربهم رشدا) أي صلاحا. وقيل: معناه إن هذا المنع لا يدرى العذاب سينزل بأهل الأرض، أم لنبي يبعث، ويهدي إلى الرشد. فإن مثل هذا لا يكون إلا لأحد هذين الأمرين. وسمى العذاب شرا، لأنه مضرة. وسمى بعثة الرسول رشدا، لأنه منفعة.
(وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا (11) وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا (12) وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا (13) وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون