المعنى: (قل أعوذ برب الفلق) هذا أمر من الله سبحانه لنبيه (ص)، والمراد جميع أمته، ومعناه قل يا محمد أعتصم وأمتنع برب الصبح وخالقه، ومدبره ومطلعه متى شاء على ما يرى من الصلاح فيه (من شر ما خلق) من الجن والإنس، وسائر الحيوانات. وإنما سمي الصبح فلقا، لانفلاق عموده بالضياء عن الظلام، كما قيل له فجر لانفجاره بذهاب ظلامه. وهذا قول ابن عباس وجابر والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة. وقيل: الفلق المواليد لأنهم ينفلقون بالخروج من أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات، كما ينفلق الحب من النبات. وقيل: الفلق جب في جهنم، يتعوذ أهل جهنم من شدة حره، عن السدي. ورواه أبو حمزة الثمالي، وعلي بن إبراهيم في تفسيريهما. وقوله (ما خلق) عام في جميع ما خلقه الله تعالى، ممن يجوز أن يحصل منه الشر، وتقديره من شر الأشياء التي خلقها الله تعالى، مثل السباع والهوام والشياطين وغيرها.
(ومن شر غاسق إذا وقب) أي ومن شر الليل إذا دخل بظلامه، عن ابن عباس والحسن ومجاهد. وعلى هذا فيكون المراد من شر ما يحدث في الليل من الشر والمكروه، كما يقال: أعوذ من شر هذه البلدة. وإنما اختصر الليل بالذكر، لأن الغالب أن الفساق يقدمون على الفساد بالليل، وكذلك الهوام والسباع تؤذي فيه أكثر.
وأصل الغسق: الجريان بالضرر. وقيل: إن معنى الغاسق، كل هاجم بضرره، كائنا ما كان (ومن شر النفاثات في العقد) معناه: ومن شر النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد، عن الحسن وقتادة. وإنما أمر بالتعوذ من شر السحرة لإيهامهم أنهم يمرضون، ويصحون، ويفعلون شيئا من النفع والضرر، والخير والشر. وعامة الناس يصدقونهم، فيعظم بذلك الضرر في الدين، ولأنهم يوهمون أنهم يخدمون الجن، ويعلمون الغيب، وذلك فساد في الدين ظاهر. فلأجل هذا الضرر أمر بالتعوذ من شرهم. وقال أبو مسلم: النفاثات النساء اللاتي يملن آراء الرجال، ويصرفنهم عن مرادهم، ويردونهم إلى آرائهن، لأن العزم والرأي يعبر عنهما بالعقد. فعبر عن حلها بالنفث، فإن العادة جرت أن من حل عقدة نفث فيها.
(ومن شر حاسد إذا حسد) فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فأمر بالتعوذ من شره. وقيل: إنه أراد من شر نفس الحاسد، ومن شر عينه، فإنه ربما أصاب بهما فعاب وضر. وقد جاء في الحديث أن العين حق. وقد مضى الكلام