قال: قرأت على إبراهيم (فعاقبتم) فاخذها على (فعقبتم) خفيفة. ومعنى (أعقبتم): صنعتم بهم مثل ما صنعوا بكم.
النزول: قال ابن عباس: صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية مشركي مكة، على أن من أتاه من أهل مكة، رده عليهم، ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو لهم، ولم يردوه عليه، وكتبوا بذلك كتابا، وختموا عليه. فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية، مسلمة بعد الفراغ من الكتاب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية. فاقبل زوجها مسافر من بني مخزوم، وقال مقاتل: هو صيفي (1) ابن الراهب، في طلبها، وكان كافرا. فقال: يا محمد! أردد علي امرأتي، فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد. فنزلت الآية (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات) من دار الكفر إلى دار الاسلام (فامتحنوهن). قال ابن عباس: امتحانهن أن يستحلفن ما خرجت من بغض زوج، ولا رغبة عن أرض إلى أرض، ولا التماس دنيا، وما خرجت إلا حبا لله ولرسوله.
فاستحلفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما خرجت بغضا لزوجها، ولا عشقا لرجل منا، وما خرجت إلا رغبة في الاسلام، فحلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك. فأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجها مهرها، وما أنفق عليها، ولم يردها عليه، فتزوجها عمر بن الخطاب.
فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرد من جاءه من الرجال، ويحبس من جاءه من النساء إذا امتحن، ويعطي أزواجهن مهورهن. قال الزهري: ولما نزلت هذه الآية، وفيها قوله: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) طلق عمر بن الخطاب امرأتين كانتا له بمكة مشركتين: قرنية (2) بنت أبي أمية بن المغيرة، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان، وهما على شركهما بمكة (3)، والأخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر، فتزوجها أبو جهم بن حذافة بن غانم، رجل من قومه، وهما على شركهما، وكانت عند طلحة بن عبد الله أروى بنت ربيعة بن الحرث بن عبد