سبحانه هؤلاء الكفار فقال: (الذين هم في غمرة) أي في شبهة وغفلة غمرهم الجهل (ساهون) أي لاهون عما يجب عليهم. وقيل: هم في ضلالتهم متمادون، عن ابن عباس. وقيل: في عمى مترددون، عن قتادة. وقيل: إن أول مراتب الجهل السهو، ثم الغفلة، ثم الغمرة، فتكون الغمرة عبارة عن المبالغة في الجهل أي: هم في غاية الجهل، ساهون عن الحق، وعما يراد بهم.
(يسئلون أيان يوم الدين) أي متى وقت الجزاء، إنكارا واستهزاء، لا على وجه الاستفادة لمعرفته، فأجيبوا بما يسوؤهم من الحق الذي لا محالة أنه نازل بهم، فقيل: (يوم هم على النار يفتنون) أي يكون هذا الجزاء في يوم يعذبون فيها، ويحرقون بالنار. وقال عكرمة: ألم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل فتن أي: فهؤلاء يفتنون بالإحراق، كما يفتن الذهب بإحراق الغش الذي فيه. ويقول لهم خزنة النار:
(ذوقوا فتنتكم) أي عذابكم وحريقكم (هذا الذي كنتم به تستعجلون) في الدنيا تكذيبا به، واستبعادا له، فقد حصلتم الآن فيه، وعرفتم صحته.
(إن المتقين في جنات وعيون (15) آخذين ماء آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين (16) كانوا قليلا من الليل ما يهجعون (17) وبالأسحار هم يستغفرون (18) وفي أموالهم حق للسائل والمحروم (19) وفي الأرض آيات للموقنين (20) وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21) وفى السماء رزقكم وما توعدون (22) فورب السماء والأرض إنه ولحق مثل ما أنكم تنطقون (23)).
القراءة: قرأ أهل الكوفة، غير حفص: (مثل ما) بالرفع. والباقون بالنصب.
الحجة: قال أبو علي: من رفع مثلا جعله وصفا لحق. وجاز أن يكون مثل، وإن كان مضافا إلى معرفة صفة للنكرة، لأن مثلا لا يختص بالإضافة لكثرة الأشياء التي يقع التماثل بها بين المتماثلين. فلما لم تخصه الإضافة، ولم يزل عنه الإبهام، والشياع الذي كان فيه، قبل الإضافة، بقي علن تنكره. فقالوا: مررت برجل مثلك، فلذلك في الآية لم يتعرف بالإضافة إلى (أنكم تنطقون) وإن كان قوله