أنه ينحبط ثواب ذلك العمل، لأنهم لو أوقعوه على وجه تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره، لاستحقوا الثواب. فلما فعلوه على خلاف ذلك الوجه، استحقوا العقاب، وفاتهم ذلك الثواب، فانحبط عملهم، فلا تعلق لأهل الوعيد بهذه الآية، ولأنه تعالى علق الاحباط في هذه الآية بنفس العمل، وهم يعلقونه بالمستحق على العمل، وذلك خلاف الظاهر.
ثم مدح سبحانه من يعظم رسوله ويوقره، فقال: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) أي يخفضون أصواتهم في مجلسه إجلالا (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) أي اختبرها فأخلصها للتقوى، عن قتادة ومجاهد. أخذ من امتحان الذهب بالنار إذا أذيب حتى يذهب غشه، ويبقى خالصه. وقيل: معناه أنه علم خلوص نياتهم، لان الانسان يمتحن الشئ ليعلم حقيقته. وقيل: معناه عاملهم معاملة المختبر بما تعبدهم به من هذه العبادة، فخلصوا على الاختبار، كما يخلص جيد الذهب بالنار.
(لهم مغفرة) من الله لذنوبهم (وأجر عظيم) على طاعتهم. ثم خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات) وهم الجفاة من بني تميم، لم يعلموا في أي حجرة هو، فكانوا يطوفون على الحجرات، وينادونه.
(أكثرهم لا يعقلون) وصفهم الله سبحانه بالجهل، وقلة الفهم والعقل، إذ لم يعرفوا مقدار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ما استحقه من التوقير، فهم بمنزلة البهائم. (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) من أن ينادونك من وراء الحجرات في دينهم، بما يحرزونه من الثواب، وفي دنياهم باستعمالهم حسن الأدب في مخاطبة الأنبياء، ليعدوا بذلك في زمرة العقلاء. وقيل: معناه لأطلقت أسراهم بغير فداء، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان سبى قوما من بني العنبر، فجاؤوا في فدائهم، فأعتق نصفهم، وفادى النصف، فيقول ولو أنهم صبروا لكنت تعتق كلهم. (والله غفور رحيم) لمن تاب منهم.
(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (6) وأعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر