ثم أخبر أنهم أبوا أن يقبلوا ذلك و (قالوا إنا بما أرسلتم به) أيها الرسل (كافرون). ثم ذكر سبحانه ما فعل بهم، فقال: (فانتقمنا منهم) بأن أهلكناهم، وعجلنا عقوبتهم (فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) أنبياء الله، والجاحدين لهم.
وفي هذا إشارة إلى أن العاقبة المحمودة تكون لأهل الحق، والمصدقين لرسل الله. * (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون [26] * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين [27] * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون [28] * بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين [29] * ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون [30] *.
اللغة: تقول العرب: أنا براء منك، ونحن براء منك، الذكر والأنثى، والاثنان والجماعة، فيه سواء. والمعنى: أنا ذو براء منك، كما قالوا: رجل عدل (1)، وقوم عدل أي ذو عدل (2)، وذو وعدل.
المعنى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه) حين رآهم يعبدون الأصنام والكواكب. (إنني براء) أي برئ (مما تعبدون) ثم استثنى خالقه من جملة ما كانوا يعبدون، فقال: (إلا الذي فطرني) أي سوى الله الذي خلقني وابتدأني، وتقديره: إلا من الذي فطرني. قال قتادة: كانوا يقولون الله ربنا مع عبادتهم الأوثان (فإنه سيهديني) إلى طريق الجنة بلطف من ألطافه. وقيل: سيهديني إلى الحق بما نصب لي من الأدلة. وفيه بيان ثقته بالله تعالى، ودعاء لقومه إلى أن يطلبوا الهداية من عنده. (وجعلها كلمة باقية في عقبه) أي: جعل كلمة التوحيد وهي قول: (لا إله إلا الله) كلمة باقية في ذرية إبراهيم ونسله، فلم يزل فيهم من يقولها، عن قتادة ومجاهد والسدي. وقيل: جعل هذه الكلمة التي قالها إبراهيم، وهو براءة من الشرك، باقية في ولده من بعده. وقيل. الكلمة الباقية في عقبه هي الإمامة إلى يوم الدين، عن أبي عبد الله عليه السلام. واختلف في عقبه من هم فقيل: ذريته وولده، عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: ولده إلى يوم القيامة، عن الحسن. وقيل: هم آل محمد، عن السدي.