ويشهدون له بصدقه. وقيل: متعاضدين متناصرين كل واحد منهم يمالئ صاحبه (فاستخف قومه) ومعناه: إن فرعون استخف عقول قومه (فأطاعوه) فيما دعاهم إليه، لأنه احتج عليهم بما ليس بدليل وهو قوله: (أليس لي ملك مصر) إلى آخره.
ولو عقلوا لقالوا: ليس في ملك الانسان دلالة على أنه محق، وليس يجب أن يأتي مع الرسل ملائكة، لأن الذي يدل على صدق الرسل، هو المعجز دون غيره. (إنهم كانوا قوما فاسقين) أي خارجين عن طاعة الله تعالى.
النظم: وجه اتصال قصة موسى عليه السلام بما قبلها أنه لما تقدم السؤال عن أحوال الرسل، وما جاءوا به، اتصل به حديث موسى وعيسى عليه السلام، لأن أهل الكتابين إليهما ينتسبون. وقيل: إنه لما تقدم ذكر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتكذيب قومه إياه، ذكر حديث موسى تسلية له، وتطييبا لقلبه صلى الله عليه وآله وسلم.
* (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين [55] * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين [56] * ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون [57] * وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جد لا بل هم قوم خصمون [58] * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل [59] * ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون [60] *.
القراءة: قرأ حمزة والكسائي. (سلفا) بضم السين واللام. وقرأ الباقون بفتحهما. وقرأ أهل المدينة وابن عامر والأعشى والبرجمي والكسائي وخلف:
(يصدون) بضم الصاد. والباقون بكسر الصاد.
الحجة: من قرأ (سلفا) جاز أن يكون جمعا لسلف، مثل أسد وأسد، ووثن ووثن. ومن قرأ (سلفا) فلأن فعلا قد جاء في حروف يراد بها الكثرة، فكأنه اسم من أسماء الجمع، قالوا: خادم وخدم، وطالب وطلب، وحارس وحرس. وكذلك المثل واحد يراد به الجمع، ولذلك عطف على سلف في قوله (فجعلناهم سلفا) ومثلا. ومعنى يصدون، ويصدون جميعا: يضجون، عن أبي عبيدة قال: والكسر أجود، ويقال: صد عن كذا فيوصل بعن، كما قال الشاعر: