(ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) يعني نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كما قال الشاعر:
صلى الاله، ومن يحف بعرشه، والطيبون، على المبارك أحمد ولهذا الاسم معنيان أحدهما: أن يجعل أحمد مبالغة من الفاعل أي: هو أكثر حمدا لله من غيره والاخر: أن يجعل مبالغة من المفعول أي: يحمد بما فيه من الأخلاق والمحاسن، أكثر مما يحمد غيره. وصحت الرواية عن الزهري، عن محمد بن جبير بن المطعم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لي أسماء أنا أحمد، وأنا محمد، أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي) أورده البخاري في الصحيح.
وقد تضمنت الآية أن عيسى بشر قومه بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبنبوته، وأخبرهم برسالته.
وفي هذه البشرى معجزة لعيسى عليه السلام عند ظهور محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأمر لأمته أن يؤمنوا به عند مجيئه.
(فلما جاءهم) أحمد (بالبينات) أي بالدلالات الظاهرة، والمعجزات الباهرة (قالوا هذا سحر مبين) أي ظاهر (ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب) أي من أشد ظلما ممن اختلق الكذب على الله، وقال لمعجزاته: سحر، وللرسول: إنه ساحر كذاب. (وهو يدعى إلى الاسلام) الذي فيه نجاته. وقيل: يدعى إلى الاستسلام لأمره، والانقياد لطاعته (والله لا يهدي القوم الظالمين) الذين ظلموا أنفسهم بفعل الكفر والمعاصي. قال ابن جريج: هم الكفار والمنافقون، ويدل عليه قوله بعد: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم) أي يريدون إذهاب نور الإيمان والإسلام بفاسد الكلام الجاري مجرى تراكم الظلام، فمثلهم فيه كمثل من حاول إطفاء نور الشمس بفيه. (والله متم نوره) أي مظهر كلمته، ومؤيد نبيه، ومعلن دينه وشريعته، ومبلغ ذلك غايته.
(ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله) محمدا صلى الله عليه وآله وسلم (بالهدى) من التوحيد، وإخلاص العبادة له (ودين الحق) وهو دين الاسلام، وما تعبد به الخلق (ليظهره على الدين كله) بالحجة، والتأييد، والنصرة (ولو كره المشركون) وفي هذه دلالة على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه سبحانه قد أظهر دينه على جميع