ثم بين سبحانه أن الإيمان محله القلب دون اللسان، فقال: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) قال الزجاج: الاسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به الرسول، وبذلك يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإيمان، وصاحبه المؤمن المسلم حقا. فأما من أظهر قبول الشريعة، وأستسلم لدفع المكروه، فهو في الظاهر مسلم، وباطنه غير مصدق. وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) أي لم تصدقوا بعد بما أسلمتم تعوذا من القتل. فالمؤمن مبطن من التصديق، مثل ما يظهر، والمسلم التام الاسلام، مظهر للطاعة، وهو مع ذلك مؤمن بها، والذي أظهر الاسلام تعوذا من القتل، غير مؤمن في الحقيقة، إلا أن حكمه في الظاهر، حكم المسلمين. وروى أنس عن النبي (ص)! قال: (الاسلام علانية، والإيمان في القلب). وأشار إلى صدره (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا) أي: لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا، عن ابن عباس، ومقاتل (إن الله غفور رحيم).
(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون (15) قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شئ عليم (16) يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان أن كنتم صادقين (17) إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون (18) *.
القراءة: قرأ ابن كثير: (يعملون) بالياء. والباقون بالتاء.
الحجة: وجه التاء أن قبله خطابا، وهو قوله: (لا تمنوا) ووجه الياء أن قبله غيبة، وهو قوله (إنما المؤمنون) الذين آمنوا.
الاعراب: خبر المبتدأ الذي هو المؤمنون قوله: (أولئك هم الصادقون) وقوله: (الذين آمنوا) صفة لهم.
المعنى: ثم نعت سبحانه الصادقين في إيمانهم، فقال: (إنما المؤمنون الذين