ثم أكد ذلك بقوله: (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا) جمع الكناية لأن المراد بقوله (وكم من ملك) الكثرة (إلا من بعد أن يأذن الله) لهم في الشفاعة (لمن يشاء ويرضى) لهم أن يشفعوا فيه أي: من أهل الإيمان والتوحيد. قال ابن عباس: يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه، كما قال: (لا يشفعون إلا لمن ارتضى). ثم ذم سبحانه مقالتهم فقال: (إن الذين لا يؤمنون بالأخرة) أي لا يصدقون بالبعث والثواب والعقاب. (ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) حين زعموا أنهم بنات الله (وما لهم به) أي بتلك التسمية (من علم) أي ما يستيقنون أنهم إناث، وليسوا عالمين (1). (إن يتبعون إلا الظن) الذي يجوز أن يخطئ ويصيب في قولهم ذلك (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) الحق هنا معناه العلم أي: الظن لا يغني عن العلم شيئا، ولا يقوم مقام العلم.
ثم خاطب نبيه (ص) فقال: (فأعرض) يا محمد (عن من تولى عن ذكرنا) ولم يقر بتوحيدنا (ولم يرد إلا الحياة الدنيا) فمال إلى الدنيا ومنافعها أي: لا تقابلهم على أفعالهم واحتملهم، ولا تدع مع هذا وعظهم ودعاءهم إلى الحق (ذلك مبلغهم من العلم) أي: الإعراض عن التدبر في أمور الآخرة، وصرف الهمة إلى التمتع باللذات العاجلة، منتهى علمهم، وهو مبلغ خسيس لا يرضى به لنفسه عاقل لأنه من طباع البهائم أن يأكل في الحال، ولا ينتظر العواقب. وفي الدعاء: (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا). (إن ربك) يا محمد (هو أعلم) منك، ومن جميع الخلق (بمن ضل عن سبيله) أي بمن جار وعدل عن سبيل الحق الذي هو سبيله (وهو أعلم بمن اهتدى) إليها، فيجازي كلا منهم على حسب أعمالهم.
(ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزى الذين أساؤوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى (31) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32) أفرأيت الذي تولى (33) وأعطى