(عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم) أي من كفار مكة (مودة) بالإسلام. قال مقاتل: لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار، عادوا أقرباءهم، فنزلت هذه الآية. والمعنى: إن موالاة الكفار لا تنفع، والله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان، وتحصل المودة بينكم وبينهم، فكونوا على رجاء وطمع من الله أن يفعل ذلك، وقد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح، فحصلت المودة بينهم وبين المسلمين. (والله قدير) على نقل القلوب من العداوة إلى المودة، وعلى كل شئ يصح أن يكون مقدورا له. (والله غفور) لذنوب عباده (رحيم) بهم إذا تابوا وأسلموا (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم) أي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال، وبرهم ومعاملتهم بالعدل وهو قوله:
(أن تبروهم وتقسطوا إليهم) أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد، عن الزجاج. وقيل: إن المسلمين استأمروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن يبروا أقرباءهم من المشركين، وذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين، فنزلت هذه الآية، وهي منسوخة بقوله: (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) عن ابن عباس والحسن وقتادة.
وقيل: إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة، ولم يهاجر، عن قتادة.
وقيل: هي عامة في كل من كان بهذه الصفة، عن ابن الزبير. والذي عليه الاجماع أن بر الرجل من يشاء من أهل الحرب، قرابة كان أو غير قرابة، ليس بمحرم، وإنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة والفطرة والكفارات. فلم يجوزه أصحابنا، وفيه خلاف بين الفقهاء. وقوله: (أن تبروهم) في موضع جر بدل من الذين، وهو بدل الاشتمال، وتقديره: لا ينهاكم الله عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم (إن الله يحب المقسطين) أي العادلين. وقيل: يحب الذين يجعلون لقراباتهم قسطا مما في بيوتهم من المطعومات.
ثم قال. (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين) من أهل مكة وغيرهم (وأخرجوكم من دياركم) أي منازلكم وأملاككم (وظاهروا على إخراجكم) أي عاونوا على ذلك وعاضدوهم، وهم العوام والأتباع، عاونوا رؤساءهم على الباطل (أن تولوهم) أي ينهاكم الله عن أن تولوهم، وتوادوهم، وتحبوهم. والمعنى: إن