والتأثيم: تفعيل من الإثم، يقال: أثمه إذا جعله ذا إثم، يعني: إن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين. وقيل: معناه لا يتسابون عليها، ولا يؤثم بعضهم بعضا، عن مجاهد. (ويطوف عليهم) للخدمة (غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون) في الحسن والصباحة، والصفاء والبياض، والمكنون المصون المخزون. وقيل: إنه ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة، بل لهم في ذلك اللذة والسرور، إذ ليست تلك الدار دار محنة. وذكر عن الحسن أنه قال: قيل يا رسول الله! الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم؟ فقال: (والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) أي يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا، عن ابن عباس. وهو قوله: (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين) أي خائفين في دار الدنيا من العذاب.
(فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) أي عذاب جهنم. والسموم من أسماء جهنم، عن الحسن. وقيل إن المعنى: يسال بعضهم بعضا عما فعلوه في الدنيا، فاستحقوا به المصير إلى الثواب، والكون في الجنان، فيقولون: إنا كنا في دار التكليف مشفقين، أي خائفين رقيقي القلب. فإن الاشفاق رقة القلب عما يكون من الخوف على الشئ. والشفقة: نقيض الغلظة، وأصله الضعف من قولهم ثوب شفق أي: ضعيف النسج. ومنه الشفق للحمرة عند غروب الشمس، لأنها حمرة ضعيفة.
وقوله (في أهلنا مشفقين) يريد: فيمن يختص به ممن هو أولى بنا. والأهل هو المختص بغيره من جهة ما هو أولى به. والسموم: الحر الذي يدخل في مسام البدن يتألم به. وأصله من السم الذي هو مخرج النفس، فكل خرق سم، أو من السم الذي يقتل. قال الزجاج: يريد عذاب سموم جهنم، وهو ما يوجد من لفحها وحرها. (إنا كنا من قبل) أي في الدنيا (ندعوه) أي ندعو الله تعالى، ونوحده، ونعبده. (إنه هو البر) أي اللطيف، وأصله اللطف مع عظم الشأن، ومنه البرة للطفها مع عظم النفع بها. وقيل البر: الصادق فيما وعده (الرحيم) بعباده.
(فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون (29) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون (30) قل تربصوا فإني معكم من المتربصين (31) أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم خوم طاعون (32) أم يقولون تقوله، بل لا يؤمنون (33) فليأتوا بحديث