أصحاب الشمال) وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى جهنم، أو الذين يأخذون كتبهم بشمالهم، أو الذين يلزمهم حال الشؤم والنكد (في سموم وحميم) أي في ريح حارة تدخل مسامهم وخروقهم، وفي ماء مغلي حار انتهت حرارته. (وظل من يحموم) أي دخان أسود شديد السواد، عن ابن عباس وأبي مالك ومجاهد وقتادة.
وقيل: اليحموم جبل في جهنم، يستغيث أهل النار إلى ظله. ثم نعت ذلك الظل فقال: (لا بارد ولا كريم) أي لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر، عن قتادة.
وقيل: لا بارد يستراح إليه، لأنه دخان جهنم، ولا كريم فيشتهى مثله. وقيل: ولا كريم أي ولا منفعة فيه بوجه من الوجوه. والعرب إذا أرادت نفي صفة الحمد عن شئ، نفت عنه الكرم. وقال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعا لكل شئ نفت عنه وصفا تنوي به الذم، تقول: ما هو بسمين ولا كريم. وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) أي كانوا في الدنيا متنعمين، عن ابن عباس. وذلك أن عذاب المترف أشد ألما. وبين سبحانه أن الترف ألهاهم عن الانزجار، وشغلهم عن الاعتبار وكانوا (1) يتركون الواجبات طلبا لراحة أبدانهم: (وكانوا يصرون على الحنث العظيم) أي الذنب العظيم، عن مجاهد وقتادة. والإصرار: أن يقيم عليه، فلا يقلع عنه، ولا يتوب منه. وقيل: الحنث العظيم الشرك أي: لا يتوبون عنه، عن الحسن والضحاك. وابن زيد. وقيل: كانوا يحلفون لا يبعث الله من يموت، وإن الأصنام أنداد الله، عن الشعبي والأصم. (وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون) أي ينكرون البعث والنشور، والثواب والعقاب، فيقولون مستبعدين لذلك، منكرين له: أإذا خرجنا من كوننا أحياء، وصرنا ترابا أنبعث. (أو آباؤنا الأولون) أي: أو يبعث آباؤنا الذين ماتوا قبلنا، ويحشرون. إن هذا لبعيد. ومن قرأ (أو آباؤنا) بفتح الواو، فإنها واو العطف، دخل عليها ألف الاستفهام.
(قل) يا محمد لهم (إن الأولين والآخرين) أي الذين تقدموكم من آبائكم، وغير آبائكم، والذين يتأخرون عن زمانكم. (لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) يجمعهم الله، ويبعثهم، ويحشرهم إلى وقت يوم معلوم عنده، وهو يوم القيامة.