(وننشئكم فيما لا تعلمون) من الصور، أي إن أردنا أن نجعل منكم القردة والخنازير، لم نسبق، ولا فاتنا ذلك، وتقديره: كما لم نعجز عن تغيير أحوالكم بعد خلقكم، لا نعجز عن أحوالكم بعد موتكم. وقيل: أراد النشأة الثانية أي: ننشئكم فيما لا تعلمون من الهيئات المختلفة. فإن المؤمن يخلق على أحسن هيئة، وأجمل صورة. والكافر على أقبح صورة. وقيل: إنما قال ذلك، لأنهم علموا حال النشأة الأولى، كيف كانت في بطون الأمهات، وليست الثانية كذلك لأنها تكون في وقت لا يعلمه العباد.
(ولقد علمتم النشأة الأولى) أي المرة الأولى من الانشاء، وهو ابتداء الخلق حين خلقتم (1) من نطفة، وعلقة، ومضغة. (فلولا تذكرون) أي فهلا تعتبرون وتستدلون بالقدرة عليها، على الثانية. (أفرأيتم ما تحرثون) أي ما تعملون في الأرض، وتلقون فيها من البذر. (أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) أي أنتم تنبتونه، وتجعلونه زرعا، أم نحن المنبتون. فإن من قدر على إنبات الزرع من الحبة الصغيرة، وأن يجعلها حبوبا كثيرة، قدر على إعادة الخلق إلى ما كانوا عليه، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لا يقولن أحدكم زرعت، وليقل حرثت).
(لو نشاء لجعلناه) أي جعلنا ذلك الزرع (حطاما) أي هشيما لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء. وقيل: تبنا لا قمح فيه، عن عطاء. (فظلتم تفكهون) أي:
تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم، عن عطاء والكلبي ومقاتل. وقيل: معناه تندمون وتتأسفون على ما أنفقتم فيه، عن عكرمة وقتادة والحسن. وأصله من التفكه بالحديث وهو التلهي به، فكأنه قال: فظلتم تتروحون إلى التندم، كما يتروح الفكه إلى الحديث، بما يزيل الهم. وقيل: معناه يتلاومون، عن عكرمة أي: يلوم بعضكم بعضا على التفريط في طاعة الله. (إنا لمغرمون) أي تقولون: إنا لمغرمون.
والمعنى: إنا قد ذهب مالنا كله، ونفقتنا، وضاع وقتنا، ولم نحصل على شئ.
وقيل: معناه إنا لمعذبون مجدودون (2) عن الحظ، عن مجاهد. وفي رواية أخرى