(يهدي إلى الحق) أي يرشد إلى دين الحق، ويدل عليه، ويدعو إليه (وإلى طريق مستقيم) يؤدي بسالكه إلى الجنة.
القصة: عن الزهري قال: لما توفي أبو طالب (ع)، اشتد البلاء على رسول الله (ص)، فعمد ليقف بالطائف رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة، وهم إخوة: عبد يا ليل ومسعود وحبيب، بنو عمرو. فعرض عليهم نفسه، فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة، إن كان الله بعثك بشئ قط. وقال الأخر: أعجز على الله أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا، فلئن كنت رسولا كما تقول، فأنت أعظم خطرا من أن يرد عليك الكلام، وإن كنت تكذب على الله، فما ينبغي لي أن أكلمك بعد! وتهزؤوا به، وأفشوا في قومه ما راجعوه به، فقعدوا له صفين على طريقه. فلما مر رسول الله (ص) بين صفيهم، جعلوا لا يرفع رجليه، ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة، حتى أدموا رجليه. فخلص منهم وهما يسيلان دما إلى حائط من حوائطهم، واستظل في ظل نخلة منه، وهو مكروب موجع، تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة. فلما رآهما، كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله. فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عداس، معه عنب، وهو نصراني من أهل نينوى. فلما جاءه قال له رسول الله (ص): من أي أرض أنت؟ قال: من أهل نينوى. قال: من مدينة العبد الصالح يونس بن متى. فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال: أنا رسول الله، والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متى. فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس خر عداس ساجدا لله ولرسول الله (ص)، وجعل يقبل قدميه، وهما يسيلان الدماء.
فلما بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما، سكتا. فلما أتاهما قالا: ما شأنك سجدت لمحمد، وقبلت قدميه، ولم نرك فعلت ذلك بأحد منا؟ قال: هذا رجل صالح، أخبرني بشئ عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى.
فضحكا وقالا: لا يفتننك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع! فرجع رسول الله (ص) إلى مكة حتى إذا كان بنخلة، قام في جوف الليل يصلي، فمر به نفر من جن أهل نصيبين. وقيل: من اليمن. فوجدوه يصلي صلاة الغداة، ويتلو القرآن، فاستمعوا له. وهذا معنى قول سعيد بن جبير وجماعة.