يستهزءون ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) معناه: ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حولكم، وهم قوم هود، وكانوا باليمن، وقوم صالح بالحجر، وقوم لوط على طريقهم إلى الشام (وصرفنا الآيات) تصريف الآيات: تصييرها تارة في الإعجاز، وتارة في الإهلاك، وتارة في التذكير بالنعم، وتارة في التذكير بالنقم، وتارة في وصف الأبرار ليقتدى بهم، وتارة في وصف الفجار ليجتنب مثل فعلهم. (لعلهم يرجعون) أي لكي يرجعوا عن الكفر (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) أي فهلا نصر هؤلاء المهلكين الذين اتخذوهم آلهة، وزعموا أنهم يعبدونهم تقربا إلى الله تعالى ثم لم ينصروهم، لأن هذا استفهام إنكار (بل ضلوا عنهم) أي ضلت الآلهة وقت الحاجة إليها، فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم. (وذلك إفكهم) أي اتخاذهم الآلهة دون الله كذبهم وافتراؤهم، وهو قوله: (وما كانوا يفترون) أي: يكذبون من أنها آلهة.
ثم بين سبحانه أن في الجن مؤمنين وكافرين، كما في الإنس، فقال: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) معناه: واذكر يا محمد إذ وجهنا إليك جماعة من الجن، تستمع القرآن. وقيل: معناه صرفناهم إليك عن بلادهم بالتوفيق والألطاف حتى أتوك. وقيل: صرفناهم إليك عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب، ولم يكونوا بعد عيسى قد صرفوا عنه، فقالوا: ما هذا الذي حدث في السماء إلا من أجل شئ قد حدث في الأرض. فضربوا في الأرض حتى وقفوا على النبي (ص) ببطن نخلة، عامدا إلى عكاظ، وهو يصلي الفجر، فاستمعوا القرآن، ونظروا كيف يصلي، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير. وعلى هذا فيكون الرمي بالشهب لطفا للجن.
(فلما حضروه) أي حضروا القرآن، أو النبي (ص). (قالوا أنصتوا) أي قال بعضهم لبعض: اسكتوا لنستمع إلى قراءته، فلا يحول بيننا وبين القرآن (1) شئ. (فلما قضي) أي فرغ من تلاوته (ولوا إلى قومهم) أي انصرفوا إلى قومهم (منذرين) أي محذرين إياهم عذاب الله إن لم يؤمنوا (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى) يعنون القرآن (مصدقا لما بين يديه) أي لما تقدمه من الكتب