سبحانه: (ومن قبله كتاب موسى) أي من قبل القرآن، كتاب موسى، وهو التوراة (إماما) يقتدى به (ورحمة) من الله للمؤمنين به قبل القرآن. وتقدير الكلام:
وتقدمه كتاب موسى إماما. وفي الكلام محذوف يتم به المعنى، تقديره: فلم يهتدوا به. ودل عليه قوله في الآية الأولى: (وإذ لم يهتدوا به)، وذلك أن المشركين لم يهتدوا بالتوراة، فيتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، ويعرفوا منها صفة محمد (ص).
ثم قال: (وهذا كتاب) يعني القرآن (مصدق) للكتب التي قبله (لسانا عربيا) ذكر اللسان توكيدا كما تقول: جاءني زيد رجلا صالحا، فتذكر رجلا توكيدا (لتنذر الذين ظلموا) أي: لتخوفهم، يخاطب النبي (ص). ومن قرأ بالياء أسند الفعل إلى الكتاب (وبشرى للمحسنين) وبشارة للمؤمنين. وقيل: معناه ويبشر بشرى، فيكون نصبا على المصدر. ويجوز أن يكون في موضع رفع أي: وهو بشرى للمحسنين الموحدين (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) مر تفسيره (فلا خوف عليهم) من العقاب. (ولا هم يحزنون) من أهوال يوم القيامة.
(أولئك أصحاب الجنة) الملازمون لها، المنعمون فيها (خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون) في الدنيا من الطاعات، والأعمال الصالحات (ووصينا الانسان بوالديه إحسانا) مر تفسيره (حملته أمه كرها) أي بكره ومشقة، عن الحسن وقتادة ومجاهد. يعني حين أثقلت، وثقل عليها الولد. (ووضعته كرها) يريد به شدة الطلق، عن ابن عباس. (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) يريد: إن أقل مدة الحمل، وكمال مدة الرضاع، ثلاثون شهرا. قال ابن عباس: إذا حملت المرأة تسعة أشهر، أرضعت أحدا وعشرين شهرا. وإذا حملت ستة أشهر، أرضعت أربعة وعشرين شهرا.
(حتى إذا بلغ أشده) وهو ثلاث وثلاثون سنة، عن ابن عباس وقتادة. وقيل:
بلوغ الحلم، عن الشعبي. وقيل: وقت قيام الحجة عليه، عن الحسن. وقيل: هو أربعون سنة، وذلك وقت إنزال الوحي على الأنبياء، ولذلك فسر به فقال: (وبلغ أربعين سنة) فيكون هذا بيانا لزمان الأشد. وأراد بذلك أنه يكمل له رأيه، ويجتمع عليه عقله عند الأربعين سنة.