وقيل: هي الطيبات من الرزق يقول: أنفقتموها في شهواتكم، وفي ملاذ الدنيا، ولم تنفقوها في مرضاة الله. ولما وبخ الله سبحانه الكفار بالتمتع بالطيبات واللذات في هذه الدار، آثر النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) الزهد والتقشف واجتناب الترفه والنعمة.
وقد روي في الحديث أن عمر بن الخطاب قال: استأذنت على رسول الله (ص)، فدخلت عليه في مشربة أم إبراهيم، وإنه لمضطجع على خصفة (1)، وإن بعضه على التراب، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، فسلمت عليه، ثم جلست فقلت: يا رسول الله! أنت نبي الله وصفوته، وخيرته من خلقه، وكسرى وقيصر على سرر الذهب، وفرش الديباج والحرير؟ فقال رسول الله (ص): (أولئك قوم عجلت طيباتهم، وهي وشيكة الانقطاع، وإنما أخرت لنا طيباتنا). وقال علي بن أبي طالب، عليه أفضل الصلوات، في بعض خطبه: (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها؟ فقلت: اغرب عني، فعند الصباح يحمد القوم السرى).
وروى محمد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر (ع) أنه قال: " والله إن كان علي (ع) ليأكل أكلة العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن كان ليشتري القميصين فيخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، وإذا جاز كعبه حذفه، ولقد ولي خمس سنين، ما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أورث بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليطعم الناس على خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله فيأكل خبز الشعير، والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله، عز وجل، فيه رضى، إلا أخذ بأشدهما على بدنه. ولقد أعتق ألف مملوك من كد يمينه، تربت منه يداه، وعرق فيه وجهه. وما أطاق عمله أحد من الناس بعده، وإن كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإن كان أقرب الناس شبها به علي بن الحسين (ع)، ما أطاق عمله أحد من الناس بعده ".
ثم إنه قد اشتهر في الرواية أنه (ع) لما دخل على العلاء بن زياد بالبصرة يعوده، قال له العلاء: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد، لبس