المعنى: ثم عطف سبحانه على ما قدمه من تنبيه العبيد على دلائل التوحيد، فقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم) أي: جعل لكم من شكل أنفسكم، ومن جنسكم (أزواجا). وإنما من سبحانه علينا بذلك، لأن الشكل إلى الشكل أميل، عن أبي مسلم. وقيل: معناه أن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام، عن قتادة. وقيل: إن المراد بقوله (من أنفسكم) أن النساء خلقن من نطف الرجل.
(لتسكنوا إليها) أي: لتطمئنوا إليها، وتألفوا بها، ويستأنس بعضكم ببعض.
(وجعل بينكم مودة ورحمة) يريد بين المرأة وزوجها، جعل سبحانه بينهما المودة والرحمة، فهما يتوادان ويتراحمان، وما شئ أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. قال السدي: المودة المحبة، والرحمة: الشفقة.
(إن في ذلك) أي: في خلق الأزواج مشاكلة للرجال (لآيات) أي:
لدلالات واضحات (لقوم يتفكرون) في ذلك، ويعتبرون به. ثم نبه سبحانه على آية أخرى، فقال: (ومن آياته) الدالة على توحيده (خلق السماوات والأرض) وما فيهما من عجائب خلقه، وبدائع صنعه، مثل ما في السماوات من النجوم والشمس والقمر، وجريها في مجاريها على غاية، الاتساق والنظام، وما في الأرض من أنواع الجماد والنبات والحيوان، المخلوقة على وجه الإحكام. (واختلاف ألسنتكم) فالألسنة جمع لسان، واختلافها هو أن ينشئها الله تعالى مختلفة في الشكل والهيئة والتركيب، فتختلف نغماتها وأصواتها، حتى إنه لا يشتبه صوتان من نفسين هما إخوان. وقيل: إن اختلاف الألسنة هو اختلاف اللغات من العربية والعجمية وغيرهما. ولا شئ من الحيوانات تتفاوت لغاتها، كتفاوت لغات الانسان، فإن كانت اللغات توقيفا من قبل الله تعالى، فهو الذي فعلها وابتدأها. وإن كانت مواضعة من قبل العباد، فهو الذي يسرها.
(وألوانكم) أي: واختلاف ألوانكم من البياض والحمرة والصفرة والسمرة وغيرها، فلا يشبه أحد أحدا مع التشاكل في الخلقة، وما ذلك إلا للتراكيب البديعة، واللطائف العجيبة، الدالة على كمال قدرته وحكمته، حتى لا يشتبه اثنان من الناس، ولا يلتبسان مع كثرتهم. (إن في ذلك لآيات) أي: أدلة واضحات (للعالمين) أي: للمكلفين. (ومن آياته) الدالة على توحيده، وإخلاص العبادة له (منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله) بالنهار. وهذا تقديره أي: يصرفكم في طلب