(إن الله على كل شئ قدير) لا شئ إلا وهو قادر عليه بعينه، أو قادر على مثله. ثم بين سبحانه إنعامه على خلقه فقال: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) أي. ما يأتيهم به من مطر، أو عافية، أو أي نعمة شاء، فإن أحدا لا يقدر على إمساكه. (وما يمسك) من ذلك (فلا مرسل له من بعده) أي: فإن أحدا لا يقدر على إرساله. وقيل. معناه ما يرسل الله من رسول إلى عباده في وقت دون وقت، فلا مانع له، لأن إرسال الرسول رحمة من الله، كما قال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وما يمسكه في زمان الفترة، أو عمن يقترحه من الكفار، فلا مرسل له، عن الحسن. واللفظ محتمل للجميع (وهو العزيز) أي: القادر الذي لا يعجز (الحكيم) في أفعاله، إن أنعم، وإن أمسك، لأنه يفعل ما تقتضيه الحكمة.
ثم خاطب المؤمنين فقال: (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم) الظاهرة والباطنة التي من جملتها أنه خلقكم، وأوجدكم، وأحياكم، وأقدركم، وشهاكم (1)، وخلق لكم أنواع الملاذ والمنافع (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) هذا استفهام تقرير لهم، ومعناه النفي، ليقروا بأنه لا خالق إلا الله، يرزق من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات. وهل يجوز إطلاق لفظ الخالق على غير الله سبحانه؟
فيه وجهان أحدهما: إنه لا تطلق هذه اللفظة على أحد سواه، وإنما يوصف به غيره على جهة التقييد، وإن جاز اطلاق لفظ الصانع، والفاعل، ونحوهما على غيره والأخر. إن المعنى لا خالق يرزق ويخلق الرزق، إلا الله تعالى.
(لا إله إلا هو) أي: لا معبود يستحق العبادة سواه سبحانه. (فانى تؤفكون) أي: كيف تصرفون عن طريق الحق إلى الضلال. وقيل. معناه أنى يعدل بكم عن هذه الأدلة التي أقمتها لكم على التوحيد، مع وضوحها. ثم سلى سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن تكذيب قومه إياه، فقال. (وإن يكذبوك) يا محمد (فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور) فيجازي من كذب رسله، وينصر من كذب من رسله.
ثم خاطب الخلق فقال. (يا أيها الناس إن وعد الله) من البعث والنشور، والجنة والنار، والجزاء والحساب. (حق) صدق كائن لا محالة (فلا تغرنكم الحياة الدنيا) فتغترون بملاذها ونعيمها، ولا يخدعنكم حب الرياسة، وطول البقاء، فإن