الجدث والجدف، والمغاثير والمغافير، فتعاقبا للمقاربة بينهما. فلما اتصلت بمخرج الثاء، صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف، فلم يجز إدغامها في الباء، لأنه إذا اتصل بما ذكرنا، صار كحرف من ذلك الموضع. فكما أن ذلك الحرف الذي اتصل بالفاء لا يدغم في الباء، كذلك الفاء لا يدغم في الباء، وكذلك لا يجوز أن يدغم الفاء في الباء، لزيادة صوتها المتصل بحرف من حروف الفم.
الاعراب: (ويرى): يحتمل أن يكون منصوبا عطفا على (ليجزي)، ويحتمل أن يكون مرفوعا على الاستئناف. (والذي أنزل إليك): في موضع نصب لأنه مفعول (يرى)، وهو فصل والحق. مفعول ثان ليرى. وقوله (إذا مزقتم) قال الزجاج: إذا في موضع نصب بمزقتم، ولا يجوز أن يعمل فيها جديد، لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها. والتأويل: هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم تبعثون، ويكون (إذا) بمنزلة ان الجزاء، يعمل فيها الذي يليها. قال قيس بن الخطيم:
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطا نا إلى أعدائنا فنضارب (1) والمعنى: يكن وصلها. والدليل عليه جزم فنضارب. ويجوز أن يكون العامل في إذا مضمرا يدل عليه: (إنكم لفي خلق جديد)، ويكون المعنى: هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم بعثتم. قال أبو علي: إن جعل موضع (إذا) نصبا بمزقتم، لزم أن يحكم على موضعه بالجزم، لأن (إذا) هذه لا يجوز أن ينتصب به، حتى يقدر جزم الفعل الذي هو الشرط بها، والجزم بها لا يسوغ أن يحمل عليه الكتاب، لأن ذلك إنما يكون في ضرورة الشعر، فإن حمل موضع إذا على أنه نصب، والفعل غير مقدر في موضعه الجزم، لم يجز، لأنه إذا لم يجاز بها، أضيفت إلى الفعل. والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا فيما قبله. وموضع الفعل الواقع بعد (إذا) خفض. فلما لم يجز زيدا غلام ضارب عندك، تريد غلام ضارب زيدا عندك، فكذلك لا يجوز أن يكون موضع إذا نصبا بمزقتم، فالتقدير:
ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق بعثتم، أو نشرتم، أو ما أشبه ذلك من الأفعال التي يكون قوله (انكم لفي خلق جديد) دالا عليه، ومفسرا له.
وإن قدر هذا الفعل قبل إذا كان سائغا، فيكون التقدير ينبئكم فيقول لكم تبعثون