الحال أي. نبلوكم فاتنين. ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر، لأن البلاء بمعنى الفتنة.
المعنى: ثم بين سبحانه كمال قدرته، وشمول نعمته بأن قال: (وجعلنا في الأرض رواسي) أي: جبالا ثوابت تمنع الأرض من الحركة والاضطراب (أن تميد بهم) أي: تتحرك وتميل وتضطرب بهم. وقيل: لتستقر، عن قتادة (وجعلنا فيها) أي: في الرواسي (فجاجا) أي: طرقا واسعة بينها، لولا ذلك لما أمكن أن يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار. ثم بين الفجاج فقال: (سبلا لعلهم يهتدون) بها إلى طريق بلادهم ومواطنهم. وقيل: ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) أي: رفعنا السماء فوق الخلق كالسقف محفوظا من الشياطين بالشهب التي ترمى بها، كما قال (وحفظناها من كل شيطان رجيم)، عن الجبائي. وقيل:
محفوظا من أن تسقط كما قال (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) الآية.
وقيل: محفوظا من أن يطمع أحد في أن يتعرض لها بنقص، أو أن يلحقها بلى، أو هدم على طول الدهر، عن الحسن.
(وهم عن آياتها) أي: عن الاستدلال بما فيها من دلائل الحدوث، والحاجة إلى المحدث (معرضون) أي: أعرضوا عن التفكر فيها. (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) أي: يجرون. وقيل: يدورون.
وأراد الشمس والقمر والنجوم، لأن قوله الليل يدل على النجوم. وقال ابن عباس:
يسبحون بالخير والشر بالشدة والرخاء. وقيل: معناه أنه سبحانه جعل لكل واحد منهما فلكا يدور فيه بسرعة كالسباحة، وإنما قال (يسبحون) لأنه أضاف إليها فعل العقلاء، كما قال (والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)، وقال النابغة الجعدي:
تمززتها والديك يدعو صياحه * إذا ما بنوا نعش دنوا فتصوبوا (1) ثم قال سبحانه: (وما جعلنا لبشر من قبلك) يا محمد (الخلد) أي: دوام البقاء في الدنيا (أفإن مت) أنت على ما يتوقعونه، وينتظرونه (فهم الخالدون) أي: أفهم يخلدون بعدك، يعنى مشركي مكة حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، فقال: لئن مت فإنهم أيضا يموتون، فأي فائدة لهم في تمني موتك. (كل