(وهم من خشيته) أي: من خشيتهم منه فأضيف المصدر إلى المفعول (مشفقون) خائفون وجلون من التقصير في عبادته (ومن يقل منهم إني إله من دونه) أي: من يقل من هؤلاء الملائكة: إني إله تحق لي العبادة من دون الله (فذلك) أي: فذلك القائل (نجزيه جهنم) يعني أن حالهم مثل حال سائر العبيد في استحقاق الوعيد. وقيل: إنه عنى به إبليس، لأنه الذي دعا الناس إلى عبادته، عن ابن جريج، وقتادة. وقيل: إن هذا لا يصح لأن الله سبحانه علق الوعيد بالشرط، ولأن إبليس ليس من الملائكة عند الأكثرين (كذلك نجزي الظالمين) يعني المشركين الذين يصفون الله بما لا يليق به. وفي هذه الآية دلالة على أن الملائكة ليسوا مطبوعين على الطاعات على ما قاله بعضهم، وأنهم مكلفون.
(أو لم ير الذين كفروا) استفهام يراد به التقريع، والمعنى: أو لم يعلموا أنه سبحانه الذي يفعل هذه الأشياء، ولا يقدر عليها غيره، فهو الإله المستحق للعبادة دون غيره (أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) تقديره: كانتا ذواتي رتق فجعلناهما ذواتي فتق، والمعنى: كانتا ملتزقتين منسدتين، ففصلنا بينهما بالهواء، عن ابن عباس والحسن والضحاك وعطاء وقتادة. وقيل: كانت السماوات مرتتقة مطبقة، ففتقناها سبع سماوات، وكانت الأرض كذلك ففتقناها سبع أرضين، عن مجاهد والسدي. وقيل: كانت السماء رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، ففتقنا السماء بالمطر، والأرض بالنبات، عن عكرمة وعطية وابن زيد، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. (وجعلنا من الماء كل شئ حي) أي: وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء، كل شئ حي. وقيل: وخلقنا من النطفة كل مخلوق حي، عن أبي العالية. والأول أصح. وروى العياشي بإسناده عن الحسن بن علوان قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن طعم الماء، فقال له: سل تفقها، ولا تسأل تعنتا:
طعم الماء طعم الحياة، قال الله سبحانه (وجعلنا من الماء كل شئ حي). وقيل:
معناه وجعلنا من الماء حياة كل ذي روح، ونماء كل نام. فيدخل فيه الحيوان والنبات والأشجار، عن أبي مسلم. (أفلا يؤمنون) أي. أفلا يصدقون بالقرآن، وبما يشاهدون من الدليل والبرهان.
النظم: وجه اتصال الآية الأولى بما قبلها: أنه سبحانه قال: فاسألوا أهل الذكر هل أرسلنا قبلك إلا رجالا، وهل اتخذوا آلهة من الأرض، أي من الحجر والمدر