من غير تليين بالقول، كما تدعو إليه مقاربة العشيرة. وإنما خصهم بالذكر تنبيها على أنه ينذر غيرهم، وأنه لا يداهنهم لأجل القرابة، ليقطع طمع الأجانب عن مداهنته في الدين. وقيل: إنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بأن يبدأ بهم في الإنذار والدعاء إلى الله، ثم بالذين يلونهم، كما قال: (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار)، لأن ذلك هو الذي يقتضيه حسن الترتيب. وقيل: إنه إنما خصهم، لأنه يمكنه أن يجمعهم، ثم ينذرهم، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واشتهرت القصة بذلك عند الخاص والعام.
وفي الخبر المأثور عن البراء بن عازب أنه قال: لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل المسنة (1)، ويشرب العس، فأمر عليا عليه السلام برجل شاة، فأدمها (2) ثم قال: ادنوا بسم الله، فدنا القوم عشرة، عشرة، فأكلوا حتى صدروا. ثم دعا بقعب (3) من لبن، فجرع منه جرعة، ثم قال لهم: اشربوا بسم الله. فشربوا حتى رووا. فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل. فسكت صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ، ولم يتكلم.
ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب، ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا بني عبد المطلب! إني أنا النذير إليكم من الله، عز وجل، والبشير. فأسلموا وأطيعوني تهتدوا. ثم قال: من يؤاخيني ويؤازرني، ويكون وليي، ووصيي بعدي، وخليفتي في أهلي، ويقضي ديني؟ فسكت القوم. فأعادها ثلاثا، كل ذلك يسكت القوم، ويقول علي عليه السلام: أنا. فقال في المرة الثالثة أنت. فقام القوم، وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك. أورده الثعلبي في تفسيره.
وروي عن أبي رافع هذه القصة، وأنه جمعهم في الشعب، فصنع لهم رجل شاة، فأكلوا حتى تضلعوا، وسقاهم عسا فشربوا كلهم حتى رووا. ثم قال: إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي ورهطي. وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل من أهله أخا، ووزيرا، ووارثا، ووصيا، وخليفة في أهله، فأيكم يقوم .