وأراده منهم، تعالى الله عن ذلك، وتقدس. (وما تنزلت به) أي: بالقرآن (الشياطين) كما يزعمه بعض المشركين (وما ينبغي لهم) إنزال ذلك أي: الشياطين (وما يستطيعون) ذلك ولا يقدرون عليه، لأن الله تعالى يحرس المعجزة عن أن يموه بها المبطل، فإنه إذا أراد أن يدل بها على صدق الصادق، أخلصها بمثل هذه الحراسة، حتى تصح الدلالة بها. ومعنى قول العرب: ينبغي لك أن تفعل كذا أنه يطلب منك فعله في مقتضى العقل من البغية التي هي الطلب.
(إنهم عن السمع لمعزولون) أي: مصروفون عن استماع القرآن أي: عن المكان الذي يستمعون ذلك فيه، ممنوعون عنه بالشهب الثاقبة. وقيل: معناه إن الشياطين عن سمع القرآن منحون، عن قتادة. فإن العزل تنحية الشئ عن موضع إلى خلافه وإزالته عن أمر إلى نقيضه. قال مقاتل: قالت قريش إنما تجئ بالقرآن الشياطين، فتلقيه على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأكذبهم الله تعالى بأن قال: إنهم لا يقدرون بأن يأتوا بالقرآن من السماء، قد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب.
(فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين [213] وأنذر عشيرتك الأقربين [214] واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين [215] فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون [216] وتوكل على العزيز الرحيم [217] الذي يريك حين تقوم [218] وتقلبك في الساجدين [219] إنه هو السميع العليم [220]).
القراءة: قرأ أهل المدينة وابن عامر: (فتوكل) بالفاء. والباقون بالواو.
الحجة: هو في مصاحف أهل المدينة والشام بالفاء. وفي مصاحف مكة والعراق بالواو. والوجهان حسنان.
اللغة: عشيرة الرجل: قرابته سموا بذلك لأنه يعاشرهم، وهم يعاشرونه.
المعنى: ثم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد به سائر المكلفين، فقال:
(فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين) بسبب ذلك. وإنما أفرده بالخطاب، ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد، فمن دونه كيف حاله. وإذا حذر هو، فغيره أولى بالتحذير. (وأنذر عشيرتك الأقربين) أي: رهطك الأدنين أي: أنذرهم بالإفصاح