وأبصروها، وانتفعوا بها، وتدبروا لها. قال الحسن: كم من قارئ يقرؤها فخر عليها أصم وأعمى. وقال الأخفش: لم يخروا عليها أي: لم يقيموا. وقال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها، كأنهم صم لم يسمعوها، وعمي لم يروها. (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) أي: اجعل أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، بأن نراهم يطيعون الله، عن الحسن. وقيل: معناه ارزقنا من أزواجنا أولادا، ومن ذريتنا أعقابا، قرة أعين أي أهل طاعة تقر بهم أعيننا في الدنيا بالصلاح، وفي الآخرة بالجنة.
(واجعلنا للمتقين إماما) أي: اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون طلبوا العز بالتقوى لا بالدنيا. وقيل: معناه اجعلنا نأتم بمن قبلنا حتى يأتم أي: يقتدي بنا من بعدنا. وعلى هذا فيجوز أن يكون اللام في اللفظ في المتقين، وفي المعنى في نا، والتقدير: واجعل المتقين لنا إماما. ومثله قول الشاعر: " كأننا رعن قف يرفع الآلا " (1). والتقدير: يرفعه الآل. ثم أخبر سبحانه عن جميع هذه الأوصاف، فقال:
(أولئك يجزون الغرفة) أي: يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة (بما صبروا) على أمر ربهم، وطاعة نبيهم، وعلى مشاق الدنيا، وصعوبة التكليف. وقيل: هي غرف الزبرجد والدر والياقوت عن عطا. والغرفة في الأصل: بناء فوق بناء. وقيل: الغرفة اسم لأعلى منازل الجنة وأفضلها، كما أنها في الدنيا أعلى المساكن.
(ويلقون فيها تحية وسلاما) أي: تتلقاهم الملائكة فيها بالتحية، وهي كل قول يسر به الانسان، وبالسلام بشارة لهم بعظيم الثواب. وقيل: التحية الملك العظيم، والسلام جميع أنواع السلامة. وقيل: التحية البقاء الدائم. وقال الكلبي:
يحيي بعضهم بعضا بالسلام، ويرسل إليهم الرب بالسلام. (خالدين) أي: مقيمين (فيها) من غير موت ولا زوال (حسنت) الغرفة (مستقرا ومقاما) أي: موضع قرار واستقامة. (قل) يا محمد (ما يعبؤ بكم ربي) أي: ما يصنع بكم ربي، عن مجاهد وابن زيد. وقيل: ما يبالي بكم ربي، عن أبي عمرو بن العلاء. وما لا يعبؤ به، فوجوده وعدمه سواء.
.