توهم أن ذلك من القرآن، فأضافه الله سبحانه إلى الشيطان، لأنه إنما حصل بإغوائه ووسوسته. وهذا أورده المرتضى، قدس الله روحه، في كتاب التنزيه، وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية، وهو وجه حسن في تأويله.
المعنى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي) من هنا مزيدة، والتقدير:
ما أرسلنا قبلك رسولا ولا نبيا. وإنما ذكر اللفظين لاختلاف فائدتهما. فالرسول الذي أرسله الله تعالى ولا يحمل عند الاطلاق على غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والنبي الذي له الرفعة والدرجة العظيمة بالإرسال. وقيل: إن بينهما فرقا: فالرسول الذي تنزل عليه الملائكة بالوحي، والنبي الذي يوحى إليه في منامه. فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا. وقيل: بل الرسول هو المبعوث إلى أمة. والنبي هو الذي لا يبعث إلى أمة، عن قطرب. وقيل: إن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام.
والنبي: الذي يحفظ شريعة غيره، عن الجاحظ. والقول هو الأول، لأن الله سبحانه خاطب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم مرة بالنبي، ومرة بالرسول فقال: (يا أيها الرسول)، و (يا أيها النبي). فالرسول والنبي واحد، لأن الرسول يعم الملائكة والبشر. والنبي يختص البشر، فجمع بينهما هنا، وفي قوله: (وكان رسولا نبيا) (إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) قال المرتضى: لا يخلو التمني في الآية من أن يكون معناه التلاوة، كما قال حسان بن ثابت:
تمنى كتاب الله أول ليلة، * وآخره لاقى حمام المقادر أو يكون تمني القلب. فإن كان المراد التلاوة، فالمعنى: إن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه، حرفوا عليه، وزادوا فيما يقوله، ونقصوا، كما فعلت اليهود، وأضاف ذلك إلى الشيطان، لأنه يقع بغروره (فينسخ الله ما يلقي الشيطان) أي: يزيله ويدحضه بظهور حججه. وخرج هذا على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كذب المشركون عليه، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم، ما لم يكن فيها، وإن كان المراد تمني القلب فالوجه أن الرسول متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور، وسوس إليه الشيطان بالباطل، يدعوه إليه، وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان، وترك استماع غروره.
قال: وأما الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة، ومضعفة عند