إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين [89] فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين [90]) القراءة: قرأ يعقوب: (فظن أن لن يقدر) بضم الياء. والباقون: (نقدر) بالنون وكسر الدال. وقرأ ابن عامر وأبو بكر (نجي) بنون واحدة وتشديد الجيم.
والباقون: (ننجي) بالنونين.
الحجة: قوله (أن لن نقدر عليه) أن هذه مخففة من الثقيلة، وتقديره: ظن أنه لن نقدر عليه أي. لن نضيق عليه. ومن قرأ (لن يقدر عليه): فهو مثل الأول في المعنى بنى الفعل للمفعول به، وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل. ومن قرأ (نجي المؤمنين) بنون واحدة قال أبو بكر السراج: هو وهم، لأن النون لا تدغم في الجيم، وإنما خفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم، فحذفت في الكتابة، وهي في اللفظ ثابتة. قال أبو علي: والقول في ذلك إن عاصما ينبغي أن يكون قرأ بنونين، وأخفى الثانية، فظن السامع أنه مدغم، وكذلك غيره.
المعنى: ثم ذكر سبحانه قصة يونس عليه السلام فقال: (وذا النون) أي: واذكر ذا النون. والنون: الحوت، وصاحبها يونس بن متى (إذ ذهب) أي: حين ذهب (مغاضبا) لقومه، عن ابن عباس والضحاك. أي: مراغما لهم من حيث إنه دعاهم إلى الإيمان مدة طويلة، فلم يؤمنوا، حتى أوعدهم الله بالعذاب. فخرج من بينهم مغاضبا لهم، قبل أن يؤذن له (فظن أن لن نقدر عليه) أي: لن نضيق عليه، عن عطا وجماعة من المفسرين. وقيل: ظن أن لن نقضي عليه ما قضيناه، والقدر بمعنى القضاء، عن مجاهد وقتادة والكلبي والجبائي. قال الجبائي: ضيق الله عليه الطريق حتى ألجأه إلى ركوب البحر، ثم قذف فيه فابتلعته السمكة.
ومن قال إنه خرج مغاضبا لربه، وإنه ظن أن لن يقدر الله على أخذه بمعنى أنه يعجز عنه، فقد أساء الثناء على الأنبياء. فإن مغاضبة الله كفر أو كبيرة عظيمة، وتجويز العجز على الله سبحانه كذلك، فكيف يجوز ذلك على نبي من أنبياء الله تعالى. وقال ابن زيد: إنه استفهام معناه التوبيخ، وتقديره فظن أن لن نقدر عليه.