وقيل: معناه نصرناه على القوم. ومن بمعنى على، عن أبي عبيدة (إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين) صغارهم وكبارهم، وذكورهم وإناثهم.
(وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) أي. وآتينا داود وسليمان حكما وعلما، إذ يحكمان. وقيل: تقديره واذكر داود وسليمان حين يحكمان في الحرث في الوقت الذي نفشت فيه غنم القوم أي: تفرقت ليلا. (وكنا لحكمهم شاهدين) أي: بحكمهم عالمين لم يغب عنا منه شئ. وإنما جمع في موضع التثنية، لإضافة الحكم إلى الحاكم وإلى المحكوم لهم. وقيل: لأن الاثنين جمع فهو مثل قوله: (إن كان له إخوة) وهو يريد أخوين.
واختلف في الحكم الذي حكما به فقيل: إنه زرع وقعت فيه الغنم ليلا فأكلته، عن قتادة. وقيل: كان كرما وقد بدت عناقيده، فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال. يدفع الكرم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، ويدفع الغنم إلى صاحب الكرم، فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان، ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله، عن ابن مسعود، وروي ذلك عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليه السلام. وقال الجبائي:
أوحى الله تعالى إلى سليمان بما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل، ولم يكن ذلك عن اجتهاد، لأنه لا يجوز للأنبياء أن يحكموا بالاجتهاد، وهذا هو الصحيح المعول عليه عندنا. وقال علي بن عيسى والبلخي: يجوز أن يكون ذلك عن اجتهاد، لأن رأي النبي، أفضل من رأي غيره. فإذا جاز التعبد بالتزام حكم غير النبي من طرق الاجتهاد. فكيف يمنع من حكم النبي على هذا الوجه.
والذي يدل على صحة القول الأول أن النبي إذا كان يوحى إليه، وله طريق إلى العلم بالحكم، فلا يجوز أن يحكم بالظن. على أن الحكم بالظن والاجتهاد والقياس قد بين أصحابنا في كتبهم، أنه لم يتعبد بها في الشرع، إلا في مواضع مخصوصة، ورد النص بجواز ذلك فيها، نحو قيم المتلفات، وأروش الجنايات، وجزاء الصيد، والقبلة، وما جرى هذا المجرى. وأيضا فلو جاز للنبي أن يجتهد لجاز لغيره أن يخالفه، كما يجوز للمجتهدين أن يختلفا.
ومخالفة الأنبياء تكون كفرا. هذا وقد قال الله سبحانه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) فأخبر سبحانه أنه إنما ينطق عن جهة الوحي.