يكون أحد هذه الأمور أبلغ فيه. ووجه الإلزام أن هذه الأصنام إن كانت آلهة كما تزعمون، فإنما فعل ذلك بهم كبيرهم، لأن غير الإله لا يقدر أن يكسر الآلهة.
وثالثها: إن تقديره فعله من فعله على ما تقدم ذكره، وهو قول الكسائي. وأما ما ذكر فيه أنه أراد به الخبر عن الكبير، وقال. إنه غضب من أن يعبد معه الصغار فكسرهن، وما روي في ذلك من أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات قوله (إني سقيم)، وقوله: (بل فعله كبيرهم)، وقوله في سارة لما أراد الجبار أخذها وكانت زوجته. (إنها أختي) فمما لا يعول عليه. فقد دلت الأدلة العقلية التي لا تحتمل التأويل على أن الأنبياء لا يجوز عليهم الكذب، وإن لم يقصدوا به غرورا ولا ضررا، كما لا يجوز عليهم التعمية في الأخبار، ولا التقية، لأن ذلك يؤدي إلي التشكك في إخبارهم. وكلام إبراهيم عليه السلام يجوز أن يكون من المعاريض، فقد أبيح ذلك عند الضرورة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل).
وقد قيل في تفسير قوله (إني سقيم): إن معناه إني سأسقم لأنه لما نظر إلى بعض علم النجوم وقت نوبة حمى كانت تأتيه، فقال: إني سأسقم. وقيل: معناه إني سقيم عندكم فيما أدعوكم إليه، وسنذكر الكلام فيه في موضعه.
وأما قوله في سارة (إنها أختي): فإنما أراد في الدين، قال سبحانه: (إنما المؤمنون إخوة) وقد دل الدليل العقلي على أن الكذب قبيح لكونه كذبا فلا يحسن على وجه من الوجوه.
(فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) معناه: فرجع بعضهم إلى بعض وقال بعضهم لبعض: أنتم الظالمون حيث تعبدون ما لا يقدر على الدفع عن نفسه، وما نرى الأمر إلا كما قال. وقيل: معناه فرجعوا إلى عقولهم، وتدبروا في ذلك إذ علموا صدق إبراهيم فيما قاله، وحاروا عن جوابه، فأنطقهم الله بالحق فقالوا: إنكم أنتم الظالمون هذا الرجل في سؤاله، وهذه آلهتكم حاضرة فاسألوها.
(ثم نكسوا على رؤوسهم) إذ تحيروا وعلموا أنها لا تنطق.
ثم اعترفوا بما هو حجة عليهم فقالوا: (لقد علمت) يا إبراهيم (ما هؤلاء ينطقون) فكيف نسألهم؟ فأجابهم إبراهيم بعد اعترافهم بالحجة (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم) أي أفتوجهون عبادتكم إلى الأصنام التي لا