تنفعكم شيئا إن عبدتموها، ولا تضركم إن تركتموها، لأنها لو قدرت على نفعكم وضركم، لدفعت عن أنفسها من دون الله سبحانه الذي يقدر على ضرركم ونفعكم، على أنه ليس كل من قدر على الضر والنفع استحق العبادة، وإنما يستحقها من قدر على أصول النعم التي هي الحياة والشهوة، والقدرة وكمال العقل، وقدر على الثواب والعقاب.
ثم قال إبراهيم عليه السلام مهجنا لأفعالهم، مستقذرا لها: (أف لكم ولما تعبدون من دون الله) قال الزجاج: معنى أف لكم: تبا لأعمالكم وأفعالكم. وقد ذكرنا اختلاف القراء فيه، وما قيل في تفسيره في سورة بني إسرائيل. (أفلا تعقلون) أي: أفلا تتفكرون بعقولكم في أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة. (قالوا حرقوه) والمعنى: فلما سمعوا منه هذا القول، قال بعضهم لبعض: حرقوه بالنار (وانصروا آلهتكم) أي: وادفعوا عنها، وعظموها (إن كنتم فاعلين) أي. إن كنتم ناصريها.
والمعنى: فلا تنصرونها إلا بتحريقه بالنار. قال ابن عمر ومجاهد: إن الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار، رجل من أكراد فارس، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. وقال وهب: إنما قاله نمرود، وفي الكلام حذف. قال السدي: فجمعوا الحطب حتى إن الرجل منهم ليمرض فيوصي بكذا وكذا من ماله فيشترى به حطب، وحتى إن المرأة لتغزل فتشتري به حطبا، حتى بلغوا من ذلك ما أرادوا فلما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار، لم يدروا كيف يلقونه، فجاء إبليس فدلهم على المنجنيق، وهو أول منجنيق صنعت. فوضعوه فيها ثم رموه.
(قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) معناه: فلما جمعوا الحطب، وألقوه في النار، قلنا للنار ذلك. وهذا مثل فإن النار جماد لا يصح خطابه، والمراد:
إنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة، لا يصيبه من أذاها شئ، كما قال سبحانه وتعالى.
(كونوا قردة خاسئين) والمعنى: إنه صيرهم كذلك، لا أنه خاطبهم وأمرهم بذلك.
وقيل: يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك، ويكون ذلك صلاحا للملائكة، ولطفا لهم، وذكر في كون النار بردا على إبراهيم وجوه أحدها، إن الله سبحانه أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة التي فيها فلم تؤذه وثانيها. إن الله سبحانه حال بينها وبينه، فلم تصل إليه وثالثها. إن الإحراق إنما يحصل بالاعتمادات التي في النار صعدا.
فيجوز أن يذهب سبحانه تلك الاعتمادات.