الإيمان يشعر بالإيمان الكامل ولم يقل بهذا أحد، وأما ثالثا فقوله (فالناس في الإيمان شئ واحد) ليس مما بحسن (1) وأما رابعا فكما ذكره عن أبي جهل وغيره (2) أنه لم يكن فيهم منكر للخالق، يكفي في الرد عليه أن كل من سمعه يتخذه ضحكة.
(١) لأنه إن أراد أن الناس متساوون في الإيمان فهذا باطل لأن من الناس من هو مؤمن ومن هو كافر وإن أراد أن المؤمنين متساوون في الإيمان فلا يصح ذلك أيضا فإن منهم من هو كامل الإيمان باستكمال العمل ومنهم من هو غير كامل الإيمان بإخلاله بالعمل وإن كانوا متساوين في المؤمن به وفي الجزم المنافي لتجويز النقيض، على أن طريق حصول هذا الجزم مختلف في المؤمنين فيتفاوت إيمانهم باعتبار عدم قبوله الزوال أصلا أو قبوله الزوال ببطء أو بسرعة، فالعامي الجازم معرض لزوال الإيمان بأدنى تشكيك والعالم الجازم بالبراهين يمكن زوال إيمانه بطروء شبهة، وإيمان الأنبياء لا يحتمل الزوال أصلا لأن طريق حصوله الوحي والمشاهدة.
(٢) من عبدة الأوثان واليهود والنصارى وفرعون وقارون وهامان ونحوهم. ولو تذكر ابن القيم قول يوسف عليه السلام (كما حكى القرآن الكريم) (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) وقول إبراهيم عليه السلام (كما حكى القرآن الكريم) (أإفكا آلهة دون الله تريدون) وقول الكفار حينما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كلمة التوحيد (كما حكى القرآن الكريم) (أجعل الآلهة إلها واحدا) وقولهم في التلبية (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك) لاستحيا أن يفوه بذلك وبقوله:
هل كان فيهم منكر للخالق الرب * العظيم مكون الأكوان فليبشروا ما فيهم من كافر * هم عند جهم كاملو الإيمان فأين توحيد الربوبية والألوهية من توحيد الخالقية والرازقية؟ على تقدير تسليم شمول آية توحيد الخالقية لهم بل الضمير في (ولئن سألتهم) بعيد عن العموم. ومعتقد المؤمنين: أنه لا رب ولا إله ولا خالق ولا رازق سوى الله عز وجل. وهذا هو إيمان المؤمنين على رغم تقول الزائغين المائلين إلى الخوارج المستهجنين لمعتقد المؤمنين.