والأمم حين تتعرض للفتن والمحن، كثيرا ما تلجأ إلى الله تعالى، وتتوب إليه، وتتقرب منه لعله ينجيها مما هي فيه.
وهكذا الحال في عصر الامام النووي صاحب كتاب (رياض الصالحين) الذي أحاول شرحه وتحقيقه، فقد عاش في القرن السابع الهجري، والأمة الاسلامية تحيط بها أعداؤها من كل جانب كما هي حالنا اليوم فالصليبيون الحاتقون الحاقدون المستعمرون يختلون بعض أجزائها، والتتار الغزاة يهاجمون بعض أرجائها، والناس في ذلك بن من مال إلى الشهوات فأغرق فيها تلهيا عن القيام بالواجب وإهمالا له، أو مال إلى التصرف والزهادة فانصرف عن الدنيا، وكأنه ليس له شأن فيها، وفريق آخر كانوا حجر الرحى وقطب المعركة، يجاهدون العدو من جهة، ويبنون مجتمعهم، ويقومون ما أعوج منه من جهة أخرى.
ومن هؤلاء كان الإمام أبو زكريا يحيى النووي (631 676 ه) = (1233 1277 م) الذي كان إماما في الفقه والحديث واللغة يحمل لواء الاسلام الصافي، مظهرا جماله وإعجازه، داعيا إلى التمسك بتعاليمه السمحة ومبادئه الأصيلة، مجاهدا في الله حق جهاده، فلم يمل إلى اللهو والعبث، فما ذلك من أخلاق المسلم، ولم يدع الزهد في الدنيا والانصراف عنها، بل عاش فيها مجاهدا يقول كلمة الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، ويعطي المثال العلمي لانسان العقيدة الذي يهب نفسه لها.
وجاءت مصنفاته، ومنها رياض الصالحين، في ذلك العصر، لا لتدعو الناس إلى الزهد وترك الجهاد كما فعل بعض من يدعون التدين والانصراف إليه دون سواه، وإنما لتدعوهم للحياة كما يرضاها الله تبارك وتعالى، في جميع صورها وجوانبها، جهادا للأعداء والباطل، وإقامة للحق والعدل، وسموا بالنفس إلى أرقي درجات الاتصال بالله تعالى، التماسا لرضاه، أمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، وإيمانا بالله، وتمسكا بشريعته نصا وروحا، فكان لذلك ريضا الصالحين للنووي بحق جنات نضرة يعيش فيها المؤمن مقتبسا من أنوار أحاديث الرسول العظيم فيها، ما يضئ له سبل الحياة