وهذا تصرح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والاعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفاد (1) لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور (2)، ومشرع انفصام لا موطن دوام. فلهذا كان الايقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد، قال الله تعالى: (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والانعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن با لامس (3) كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) [يونس 10 / 24]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. ولقد أحسن القائل:
إن لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا * صالح الأعمال فيها سفنا فإذا كان حالها ما وصفته، وحالنا وما خلقنا له ما قدمته، فحق على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار، ويسلك مسلك أولي النهي والابصار، ويتأهب لما أشرت إليه، ويهتم لما نبهت عليه. وأصوب طريق له في ذلك، وأرشد ما يسلكه من المسالك: التأدب بما صح عن نبينا سيد الأولين والآخرين، وأكرم السابقين واللاحقين.
صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وقد قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوي) [المائدة 5 / 2]، وقد صح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
[1 ل] " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " (4)، وأنه قال:
[2 ل] " من دل على خير فله مثل أجر فاعله " (5) وأنه قال: