شربة واحدة عند السهر، وكان يتقوت مما يرسله إليه أبوه من بلده نوى في حورانن، ويلبس مما ترسله إليه أمه من قميص ونحوه، ولم يقبل هدية ولا عطية إلا من حاجة، وممن تحقق له دينه من والديه وأقاربه.
وكان لا يخشى في الحق لومة لائم، فيواجه الملوك والامراء، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويكتب إليهم الرسائل ينصحهم فيها بالعدل في الرعية وإبطال المظالم، فإذا أهملوا كتبه سار إليهم بنفسه فنصحهم، واضطرهم إلى الرجوع إلى الحق والعدل.
وكان إلى جانب ذلك يهتم بالسنة الشريفة وإحيائها، وقد صادف أن احتبس المطر عن الشام في زمنه عدة سنين، وأصاب الناس ضيق شديد، فلجؤوا إليه وهو إمام جليل يسألونه معالجة المشكلة، فوجد لهم الحل في العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عصر، وإحيائها بالدعوة إلى صلاة الاستسقاء، وإزالة المنكرات والمعاصي في البلاد قبل أدائها.
فكتب بذلك إلى السلطان كتابا بتاريخ الاحد 11 جمادى الأولى سنة 668 ه، فاستجاب له السلطان ومنع المنكرات وأغلق نواديها وقمع أهليها، ونادى مناديه في الناس بصيام ثلاثة أيام، والتزام المعروف، واجتناب المفاسد. ثم خرج بعدها في اليوم الرابع فأمر النووي بإمامة الناس في صلاة الاستسقاء، فصلى بهم ثم خطبهم ووعظهم حتى بكى وبكوا، ودعا ودعوا، ولم يمض أسبوع على ذلك حتى استجاب الله تعالى لهم، وعم الخير الشام كلها، وأصابها خصب لم تشهده منذ ثلاثين عاما.
هذا، وقد اجتمعت للامام النووي ثلاث مراتب، لو كانت واحدة منها لشخص لشدت إليه الرحال، أولاها: العلم والقيام بوظائفه. وثانيتها: الورع والزهد في الدنيا بجميع ما فيها. وثالثتها: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد ألقى الله تعالى محبته في قلوب الناس جميعا، وجعل النفع والفائدة في آثاره ومؤلفاته حتى اليوم، وهذا من فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده الصالحين.